اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > الكاظمية.. الآن.. الأعرجي يرفع بها اللاءات الأربعة للحد من الحريات المدنية

الكاظمية.. الآن.. الأعرجي يرفع بها اللاءات الأربعة للحد من الحريات المدنية

نشر في: 1 فبراير, 2013: 08:00 م

القسم الثالث وإن لم تستطع تحمل ذلك، فلك ان تخرج من هذه المساحات المشتركة وتذهب الى حيث ما تريد، ولكن بالتأكيد ليس لك ان تهّجر ذاك الجار المزعج إن اراد أن يبقى في مكانه، التطرف لا مكان له في هذه المساحات المشتركة، وإلا ستُنقر حوافي المنافذ بآثار الرص

القسم الثالث

وإن لم تستطع تحمل ذلك، فلك ان تخرج من هذه المساحات المشتركة وتذهب الى حيث ما تريد، ولكن بالتأكيد ليس لك ان تهّجر ذاك الجار المزعج إن اراد أن يبقى في مكانه، التطرف لا مكان له في هذه المساحات المشتركة، وإلا ستُنقر حوافي المنافذ بآثار الرصاص، وستخنقك الحواجز الكونكريتية، وتلسعك الأسلاك الشائكة، ويفرض عليك جندي استجوابه الغليظ عليك بـ “من وين جاي؟ وين رايح؟”

وقد جاءنا التطرف مكتسحاً مساحاتنا المشتركة بمفخخة تتشظى ناراً وجحيماً، وطعنة الكاتم، ومراهق ملثم يختبرك بتسلل الائمة واعياد ميلادهم، فتحمَّل جارك المزعج يا ايها القارئ، كي لا نعود جميعا الى ظرف عام 2006.

ولنكن واقعيين: المدنية، في مراحلها الاولى، لن تُطعم فقيرا، ولن تكسيه، ولن تعالج تناقضات التاريخ والهوية، ولكنها ستحفظ كرامة هذا الفقير عند احتسابه فرداً يتمتع بصلاحيات كل مَن يسكن هذه المساحات المشتركة، ان احسن ممارستها. وبالطبع، سيكون هناك تفاوت بين من سيستفيد منها، فالمستفيد الاكبر ستكون الطبقة الوسطى، الفقير في حالنا اليوم لا ظهير له إلا الأطر العشائرية والمذهبية والقومية التي يسوقها له من يعتاش عليها، والغني يستقوي دوما بماله، ولكن المدنية تحفظ للطبقة الوسطى منظومة تحافظ عليها عرفاً ومنهجاً، فلا تضطر الى الإنزواء تحت عباءة اُمراء الحروب، ولا يستطيع الغني ان يفرض إرادته عليها.

قد لا تكون المدنية حلا لجميع مشاكل العراق، ولكنها بمثابة بداية الحل، وافضل بكثير من الحلول المتطرفة المطروحة حاليا، وهي بداية العافية، كما أسلفت، لأنها قد تطلق منظمات وجمعيات اجتماعية تسعى لمعالجة واقع الفقر، ولتحد من تجاوزات الغني والقوي والفاسد والمستبد، فحالة الغنى الفاحش، اوالفقر المدقع، هي انعكاس للتطرف في كل شيء، والمدنية، ان سعت الى التقليل من التطرف، ستستطيع معالجة هذه التناقضات لاحقا عن طريق تأهيل واعداد اجيال واعية، وذلك بإفراز فكر وتمثيل سياسي يعكس مبادئها في ميادين التشريع والتنفيذ والقضاء.

المدنية خير مربية لأجيال قد تُخرج العراق من مساره المتجه منذ عقود الى الهاوية وعلينا ان نبدأ من مكان، اي مكان، يعيدنا الى درب العافية والتعايش.

 

للتحسس المفرط لدى البعض من المدنية

في شهر آب الماضي، تواترت انباء عن تشكيل جمعية بإسم “بيوت كربلاء” هدفها جمع ابناء وبنات تلك المدينة في اطار اجتماعي- سياسي لاستذكار التراث الخاص بمدينتهم وسرعان ما انتشر الخبر، قام البعض ومن ضمنهم عضو في مجلس محافظة كربلاء ، بنعت هذه الجمعية بتهم “العنصرية” و”الإقصاء”، وأن انشاءها يُعد مخالفة دستورية.

لا أنفي وجود احقاد تتصف بالاحتقار والتهكم والاستعلاء لدى بعض “وُلـِد الولاية” تجاه من يرونهم بأنهم وافدين الى مدنهم من الارياف، ويتضح ذلك عن طريق استخدامهم لمصطلحات استفزازية مثل “شراكوة” و”معدان” و”محافظات” لوصف هؤلاء المهاجرين بل حتى في وصف ابناءهم واحفادهم ممن تولدوا في المدن. وعادة ما يقوم “ابن الولاية”، اي مَن يعتقد نفسه من اهالي المدينة “الأصلاء”، بتفسير الحالة المتردية في مددنا اليوم بأنها نتيجة حتمية لتسلّط من هاجر الى المدينة من اصول ريفية على مجالس محافظاتها وبلدياتها، ابتداءً من خير الله طلفاح الى يومنا هذا.

ولكن، وجود هذه النزعة العنصرية لا تعني بأننا في طرحنا لإستعادة تراث المدنية فبذلك نتقصد او نروم الانتقاص من ايٍ كان. المدنية هي ذهنية اختيارية، وهوية مكتسبة، ولا ينبغي ان تورّث وتُحصر في فئة دون اخرى، والحالة العنصرية لدى بعض “ولد الولاية” لنا ان نتفهمها من دون التحسس منها، فأبناء المدن تحركهم غيرة على هذا الارث التراثي الذي جاءهم من الآباء والاجداد، وقد يتصورون بأن هذه الهوية التي تخصهم مهددة وآيلة الى الاضمحلال امام عادات وتقاليد دخيلة على مجتمعاتهم، وخصوصا تلك العشائرية منها، فهل يُعقل أن اهالي المدن لن يتحسسوا من انتشار الدواوين والمجالس العشائرية في داخل مدنهم، وفي الوقت نفسه تواجه “جمعية بيوت كربلاء” بهذا الكم من الرفض وسوء الظن في نياتها؟

لا بد بأن تكون هناك طريقة للتوفيق بين المنحنيين، اي اتاحة المجال لأبناء المدن بالتفاخر بأصولهم وهويتهم الخاصة، وايضا فتح باب الانتساب الى المدنية لأي راغب بها، لا نستطيع التمتع بترف الطوبائية، والتسامي عن هذه البشاعة، والتكلم في العموميات، وبأن نشجب العنصرية ونلعنها من دون الالتفات بأن هذا الاحتقان الحاصل داخل مدننا لهو امر حقيقي وخطر، فلا بد من إيجاد الحلول، والخطوة الاولى في ذلك السبيل هو الاعتراف بوجود اشكال حاصل، العشائرية، التي انتقلت الى مدن مثل بغداد والبصرة وكربلاء والنجف والموصل وغيرها، تناسب الحواضن التي انتجتها، في مساحات الريف والبادية، ولكنها لا تناسب واقع المدن، والعشائرية ظهرت، بأعرافها وواجباتها وتقاليدها وقيمها، بشكل منطقي وطبيعي كي تحفظ لذاك الفرد المنتسب إليها شيئاً من حقوقه، فيفترض بالمدنية ان تقوم بالدور ذاته ، اي حفظ حقوق الفرد في الظرف المكاني الجديد الذي انتقل إليه او وجد نفسه فيه، لتسهم في حسر امتداد العشائرية الى عمق المدينة.

اول مَن سيتحمس للمدنية، ولإحياء تراث المدن، سيكون حتماً هذا الشخص الذي يحسب نفسه من وُلدِ الولاية، واول من سيتحسس منها، ويراها انتقاصا موجَّه بشكل ضمني تجاهه، هو ذاك المنحدر من اصول مهاجرة وريفية، ولكن واقع المدن المتغير جراء الهجرات الكبيرة التي حصلت فيها، وديدن وجوهر المدنية القيّمي الذي نتغنى به ونسعى اليه، تحتم علينا احتواء واستيعاب من يريد الدخول إليها، وحفظ وصيانة حقوقه، وكرامته،  فأبناء المدن لن ينجزوا شيئا اذا اكتفوا بإسترجاع تراثهم والإنزواء على انفسهم، لأن الظرف الديموغرافي ليس بصالحهم، وكل ما سيحصل اذا لم ينفتحوا على من يشترك معهم حاليا في العيش بهذه المدن هو ممارستهم للنوستالجيا في نوادٍ اجتماعية منغلقة على نفسها، ولكن ان استطاعوا استرجاع هذه الذاكرة المدنية، ووضعوا اسفارها من صور وادلة وامثلة امام الاجيال الجديدة التي تكتظ بها المدن، ممن هم من ابناء الولاية ومن ابناء الهجرة، فربما سيستطيعون بث الحياة سوية في الروح المدنية، لتفرز، لاحقا، واقعاً جديداً، قد يصنع لنا “زمناً جميلا” في المستقبل القريب.

عودة الى الشيخ علي الشرقي، ودعوة لجعل المدنية مشروعاً فكرياً ومنهجاً.

وفي الختام وتعريجاً على الصراع القائم بين “ولد الولاية” والمهاجرين، أود العودة على شخصية العين والوجيه والوزير والشاعر علي الشرقي المذكور اعلاه ضمن مؤسسي جمعية بيوت الامة، هل تعلمون ماذا كان لقب اسرته قبل ان يحوره الى “الشرقي”؟ كان لقبه الـ”الشروكي” ، وهذا هو اللقب الذي عُرف به جده عندما هاجر الاخير من الشطرة الى النجف قبل مئتي عام، وما نستطيع استنباطه من التاريخ هو ان اهالي وعشائر الفرات الاوسط كانوا يصفون اهالي الاهوار المجاورة لهم والعشائر الساكنة داخلها او على تخومها بـ “الشروكيين” وهو مصطلح ذو بعد جغرافي لا يدل إلا عن وجود هؤلاء في مساحات تقع الى الشرق، او “الشرك”، من الفرات الاوسط.

والشرقي من مواليد النجف عام 1890، وهو على الأغلب من عشيرة الفراغنة، وتخالطت اسرته المهاجرة مع اهالي النجف، فإبن خالته اللح هو الشاعر محمد مهدي الجواهري، وكان الشرقي رجلا معمما كما هو ظاهر في الصورة، وجاء الى بغداد وانخرط في حياتها السياسية والوظيفية والفكرية والثقافية، ومن نوادره التي عُرف بها انشاءه لـ “شركة مقاومة الفقر” في الثلاثينيات.

أليست من المفارقات بأن احد مؤسسي هذه الجمعية الليبرالية المدنية كان لقبه الاصلي “الشروكي”؟ لربما هي ليست مفارقة اطلاقا، وما يجعلنا نراها امراً مستغرباً هي النزعة العنصرية المبطّنة التي لدينا، والتي قد لا نستشعرها الا في مفارقات كهذه، بل لربما قصة الشرقي، وقصة عائلته، هي الأقرب الى واقع المدنية، وعظمتها.

المدن تصبح مدناً جراء الهجرات المتتالية إليها، فلا توجد قرية في العالم تتوسع لتصبح مدينة من دون رفدها بهؤلاء الوافدين اواقتصارها على اهل القرية الاصليين وذراريهم فقط، والمدن تتعرض دوما، على مدى التاريخ، الى هجرات متماوجة، وقد يعلو مدّها في بعض الاحيان ليغير واقعها ولهجاتها وسحنات قومها، ولكن الامر الثابت وغير المتغير، الذي يعكس ديمومتها كمدينة، هي قابليتها على الحفاظ على روحها المدنية، اي روح التعايش والتسامح، وكبح جماح التطرف، واطفاء النيران سريعا إن تنشب، وجعل من يأتي إليها وافداً يتشرَّب بهذه المفاهيم ويتنمّط عليها، لأنها تصب في مصلحته كفرد مدني، وتكفل له حقوقه وأمانه.

بالمحصلة، لا تهمنا الهويات واللهجات والأنساب وأغاني الاطفال التراثية وطقوس النذر بقدر اهمية المحافظة على هذه الروح المدنية.

وهناك امر لا بد من توضيحه، وهو ان”المدنية” تعد بمثابة فكرة رافدينية عراقية نستطيع ان نتباهى بها امام العالم، فأهم نتاج لحضارة الاغريق كانت فكرة الديموقراطية، تلك الكلمة اليونانية التي اكتسبتها لغات العالم كافة، التي طورها الغرب في مراحل متعددة قبل ان تصلنا، ولكن الغرب لا يزال يُدين بالعرفان الى التراث اليوناني كمصدر للفكرة التي يقدسها. اذن، لِمَ لا نطرح مفهوم المدنية كنتاج فكري للأرض التي شهدت انبثاق وانشاء اولى مدن العالم في أور واوروك ولاغاش وكيش؟ فمن سبقنا على ارض الرافدين كان يعلم بأن العوامل التي تجعل من تجمع بشري ما ليصبح مدينة لا يمكن اغتزالها بـ”طابوك” وآجر ومعابد وزقورات وقصور ومدافن، بل هؤلاء السومريون الاوائل اكتشفوا بأن الروح المدنية تحديدا هي التي تجعل المدينة تصبح مدينة بحق، وتجعلها عظيمة بإطلاق ابداعها الفني الذي يدل على رُقي اهلها، ويبقى شاهداً لها عبر العصور، وبالتالي اينعت جهودهم بالألوان والتناسق العمراني وألحان القيثارة في مساحاتهم المشتركة، فلتتضافر الجهود والأقلام والمنابر كي نُنضج هذا المشروع الحضاري والفكري سوية، ولتطوير وتعميق مفاهيمه، والبحث في ركائزه التاريخية، ولجعله مستهلا لمعالجة الأضرار والتشوهات الحاصلة في بلدنا، ولبلورته ايديولوجياً وتعميمه كخيار قيّمي واجتماعي واقتصادي وسياسي في مجتمعاتنا.

المدن قد تتغير، ولكن المدنية تبقى، وهذا ما علينا ان نضعه صوب أعيننا ونحن نستعيد الماضي، ونستحضر التراث المدني العراقي، كي نُنشئ اجيالا جديدة وواثقة من نفسها وهي تسير نحو مستقبل متسامح، متناغم، و”جميل”، لمدننا، ولبلدنا ككل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في دراجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram