ليست المرة الأولى التي تصمت فيها الدفاعات الجوية السورية، وتظل الطائرات جاثمة على مدرجاتها، بينما يقوم الطيران الحربي الإسرائيلي بغارة جوية، تستهدف موقعاً حربياً، أو مركزاً علمياً عسكرياً، أو قافلة محملة بالعتاد، أو حتّى حين حلقت مطمئنة فوق القصر الرئاسي في اللاذقية، وهي مؤخراً استهدفت كما تقول دمشق أحد مراكز البحث العلمي، المسؤولة عن رفع مستوى المقاومة والدفاع عن النفس، الواقع في ريف دمشق، وبررت عدم تصديها لها بأنها تسللت بعلو منخفض، وتحت مستوى الرادارات، لكنها المرة الأولى على الأغلب، لم تتوعد دمشق فيها "بالرد في الوقت المناسب"، ورأت فيها مبرراً لاتهام الدولة العبرية، بأنها المحرك والمستفيد، والمنفذ في بعض الأحيان، لما يجري من "أعمال إرهابية تستهدف سوريا وشعبها المقاوم"، وشددت على أن الغارة تأتي بعد فشل المعارضة المسلحة عدة مرات، بالدخول والاستيلاء على الموقع المذكور.
في رواية أخرى لم تصدر عن النظام السوري، أن الغارة الإسرائيلية استهدفت قافلةً عسكريةً محملةً بالأسلحة غير التقليدية، كانت متجهة من سوريا إلى الحدود اللبنانية، وذلك بعد أيام من نقلها بطاريتين من نظام القبة الحديدية، لاعتراض الصواريخ، إلى حدودها مع لبنان، مع تزايد المخاوف من تسرب الأسلحة الكيماوية، التي اعترف النظام السوري بامتلاكها، إلى حزب الله اللبناني، وجاء تدمير القافلة السورية، بعد أن تم تحذير الأسد من نتائج نقل أسلحة إستراتيجية إلى حزب الله، وأنه في حال خرقه لهذا الخط الأحمر، المتفاهم عليه باتفاق غير مكتوب بين دمشق وتل أبيب وواشنطن، سيواجه برد منسّق بين جميع أطراف الناتو، وهنا يمكن تفهم الرضا الغربي الكامل عن العملية.
عن عدم تصدي حماة الديار للغارة الإسرائيلية، بغض النظر عن هدفها، يمكن الإشارة إلى انشغال الطيران السوري بعملياته ضد معارضي الأسد، لكن السؤال هو عن ترك مركز علمي عسكري، مكشوفاً لمثل هذه العملية، إلاّ إن كانت دمشق على ثقة بأن الدولة العبرية لن تستهدفه، ثم إن عملية كهذه، سواء خلال تنفيذها أو بعد ذلك، تضع الشعار السوري عن المقاومة والممانعة، في خانة الشك الأقرب إلى اليقين، عن خلوه من المضمون العملي، وبأنه مكرس فقط للاستهلاك الإعلامي، إلاّ إن كان النظام السوري يعتبر أن مقاومته وممانعته، مقصوران على تأييد ودعم حزب الله، وبعض الفصائل الفلسطينية، التي لم نسمع عن طلقة واحدة من بنادقها ضد العدو، لكننا سمعناها تلعلع في سماء مخيم اليرموك.
الحليف الروسي لدمشق علم بالغارة بعد وقوعها، ولم يكن بمقدوره الاعتراض عليها، رغم أن الأسلحة المدمرة روسية الصنع، وعليه فإن المراقبين يتوقعون أن تشهد المرحلة المقبلة المزيد من الغارات الإسرائيلية على أهداف مماثلة، وأن معظمها سيكون سريا ولن يعلن عنه في الوسائل الإعلامية، والهدف هنا ليس النظام السوري "الممانع والمقاوم"، بقدر ما هو منع حزب الله من امتلاك أسلحة متطورة، يوظفها في خدمة أهداف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، غير المتطابقة مع أهداف موسكو، التي تتطابق في آخر الأمر مع أهداف الغرب وإسرائيل.