كل الطرق المؤدية إلى المسرح الوطني في بغداد كانت عصر الخميس (أمس الأول) غارقة في مياه المطر الذي لم يعد زائراً مرغوباً به في مدينة تطفح شوارعها وساحاتها وأزقتها بخليط الماء والطين والقمامة بعد نصف ساعة فقط من بدء الهطول.
مع ذلك غرقت قاعة المسرح هي أيضاً بسيل الجمهور الذي جاء ليحضر حفلة الفرقة السيمفونية الوطنية، وهي حفلة تميزت هذه المرة بأن ما عُزف فيها (تسع مقطوعات) كان عراقياً صرفاً. المناسبة كانت مسابقة التأليف الاوركسترالي حيث تقدّم تسعة عشر من أعضاء الفرقة بمقطوعات ألفوها بأنفسهم، واختيرت تسعاً منها بوصفها المقطوعات الفائزة. بعض هذه المقطوعات يرقى إلى المستوى العالمي عن جدارة.
بقدر ما استمتعت بالعزف امتلأتُ بالفخر لأن فرقتنا السيمفونية تنضمّ إلى جبهتنا، نحن متحدّي الوضع المزري الذي تعيشه بلادنا (سياسياً بخاصة واجتماعياً واقتصادياً)... أعجبت بشباب الفرقة وشيوخها الذين يجترحون معجزة حقيقية بإصرارهم على تقديم الجمال والسحر والسمو بخلاف السياسيين الذين يعاندون أيّما عناد في تسميم حياتنا في كل يوم وساعة ودقيقة.
شباب (صبايا وصبيان) يانعون وشيوخ أجلاء وقورون لم يردعهم المطر ولا منعهم اكتظاظ الشوارع بالسيارات واشتداد الزحام عند نقاط التفتيش عن الحضور إلى المسرح الوطني في الموعد، بل قبل الموعد.
أعجبت وافتخرت أيضا بالجمهور الذي ملأ القاعة من أولها إلى آخرها، ومعظمه كان من الشباب، وأنصت بصمت إلى المعزوفات وصفّق بحماسة لها ولمؤلفيها وعازفيها وقائد الفرقة ومساعده.
الإعجاب كان مضاعفاً، وكذا الافتخار، فعدا عن ظروف الطقس خارج القاعة التي تحدّاها أعضاء الفرقة والجمهور، لم تكن القاعة نفسها قد هُيئت بما يليق بهذا الحدث: حفلة للموسيقى السيمفونية بمقطوعات لمؤلفين عراقيين.. القاعة كانت باردة، وعندما انقطع التيار الكهربائي فجأة، كالعادة، فشل النظام المحلي في تشغيل مولدة الكهرباء في الحال (ربما لم يُصمم النظام لذلك في الأساس)، فانتظرنا دقائق عدة حتى تعود (الخاتون كهرباء)، واضطرت الفرقة إلى إعادة عزف المقطوعة التي تُعزف.
إلى ذلك فان الكراس التعريفي بالحفلة (فولدر) الذي أعدته الفرقة جسّد بوضوح الحال البائسة لدولتنا، دولة الأكثر من مئة مليار دولار سنوياً من النفط وحده، التي فشلت في صرف 200 أو 300 دولار لإعداد وطباعة فولدر أنيق وملون يليق بهذه الفرقة المفخرة وبحفلتها المميزة.
المجد لكم والمحبة، شباب فرقتنا السيمفونية وشيوخها.. فرقة الحياة، وتعساً لفرقة النحس والنكد والموت.. لسياسيينا المشغولين عن جمالكم وسحركم وسموكم وبهائكم وفخامتكم بأطماعهم ومؤامراتهم.
فرقة الحياة... السيمفونية
[post-views]
نشر في: 1 فبراير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 1
سمير طبلة
تحية عطرة لهم ولكل من يطمح لعراق أجمل و...أأمن!