لم يكن منتظراً من قيادة اليمين الصهيوني، غير رفض تقرير لجنة مجلس حقوق الإنسان الأممية، المكلفة بمتابعة الوضع القانوني للاستيطان في فلسطين المحتلة، واعتباره خطوةً سلبيةً تضر بمستقبل عملية السلام، ذلك أن التقرير المنصف، طالب الدولة العبرية بإخلاء فوري لكل المستوطنات من الأراضي المحتلة، كما طالب الشركات العالمية بمقاطعة إسرائيل، وعدم الاشتراك معها في أي أعمال بناء استيطاني، وإصدار عقوبات ضد تل أبيب، ودعا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلى ممارسة مسؤولياتها، وعدم الاعتراف بالوضع القائم، وقبل هذا التقرير كان الإتحاد الأوروبي يعلن بأن حل الدولتين بات في خطر، بسبب سياسة الاستيطان، التي تمارسها إسرائيل على الأرض.
كان الوزير الأكثر عنصرية ووقاحة أفيجدور ليبرمان صريحاً، حين أكد أن الإسرائيليين سيواصلون البناء الاستيطاني، والعيش في الضفة الغربية، وأن مآل تقارير مجلس حقوق الإنسان سلة القمامة التاريخية، وهو كشف بذلك الموقف المراوغ، الذي أعلنته الحكومة، والقائل إن السبيل الوحيد لحل كل المشاكل المعلقة بين إسرائيل والفلسطينيين، بما في ذلك مسألة المستوطنات، هو المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة، واعتبارها أن التقرير منحاز، ولا يعني ذلك غير أن الاحتلال مستمر إلى ما شاء الله، وأن أقصى ما يمكن للشعب الفلسطيني الحصول عليه، هو قبول الاحتلال ودفع تكاليفه، غير أن القيادة الفلسطينية اعتبرت التقرير وثيقةً قانونيةً توثق كافة انتهاكات الاحتلال للحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني، على أراضي دولة فلسطين.
ليس هناك أي شك، بأن التقرير الأممي يشخّص بدون أي مواربة الممارسات الاسرائيلية غير القانونية، ويقدم استخلاصات واستنتاجات، إذ يضع كل أنواع الاستيطان في خانة جرائم الحرب، ويدرجها في سياق محكمة الجنايات الدولية، لانتهاكها ميثاق روما، والبند 49 من اتفاقية جنيف، مما يضع إسرائيل تحت طائلة الملاحقة القضائية، غير أنه ليس هناك شك أيضاً في أن إسرائيل بمقاطعتها للمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، تضع نفسها خارج القانون، وتعزل نفسها، وتنزع الشرعية بيدها عن ممارساتها الأحادية، المخالفة للأعراف الدولية، وأولها الاحتلال، وما يليه من تطهير عرقي، من خلال ترهيب الفلسطينيين، وإرغامهم على الهجرة، ليحل مكانهم مستوطنون يتم استيرادهم من أنحاء العالم، ليقيموا في مستوطنات أقيمت ويتم تطويرها حصرياً لمصلحة اليهود الإسرائيليين. وهي تعتمد للبقاء على نظام فصل تام بين المستوطنين الإسرائيليين والسكان الأصليين من الفلسطينيين.
في واقع الأمر فإن التقرير يدفع الدولة العبرية للخوف من رفع الفلسطينيين دعوى ضدها في الجنائية الدولية في لاهاي، سيما وأنه يقضي بأنها ترتكب جرائم حرب، وأنها انتهكت القانون الدولي، وأن البناء يشكل خرقاً لميثاق جنيف، من خلال تجاوز حظر نقل السكان المدنيين إلى الأرض المحتلة، ما يشكل جريمة حرب وفق تعريف المحكمة الدولية، خصوصاً وأن التقرير اعتمد ما كانت أعلنته عدة منظمات إسرائيلية يسارية، منها "بتسيلم وعدالة وأمنستي" ما ينفي عنه تهمة اليمين الصهيوني بأنه أحادي الجانب ومتحيز ضد إسرائيل، وهنا فإن موقف المجتمع الدولي، " الأميركي خصوصاً "، يبدو حاسماً في ضرورة تعضيد أي خطوات فلسطينية تستند إلى التقرير، وعدم حث القيادة الفلسطينية على تجاوزه، أو عدم الاستفادة من مضمونه في تحركاتها السياسية الهادفة لوضع حل الدولتين موضع التنفيذ.
إنصاف أممي للفلسطينيين وإدانة لإسرائيل
[post-views]
نشر في: 2 فبراير, 2013: 08:00 م