ماذا سيحصل لو بقي المعتدلون سلبيين حيال تظاهرات نينوى والانبار وصلاح الدين؟ وماذا قال السيد المالكي لبعض محدثيه مؤخرا وهو يتكلم عن "استحالة انقاذ العراق"؟
ولاننا شعب لا نزال نحاول ان نتعلم فإننا نخطئ كثيرا. كل عملية الانتقال التي مرت عليها ١٠ سنوات، كانت مليئة بالاخطاء، ولا احسب ان احدا منا يزعم انه لم يرتكب غلطا كبيرا في طاحونة الاحداث. لكن الشعوب المتحضرة تتعلم من اخطائها كي لا تدفع الثمن مرتين، بينما يوجد عراقيون يعتاشون على الخطأ ويتمنون بقاءه رغم كل خطره.
ليس لدى اهل الرمادي والموصل (وحتى بابل) تاريخ عريق في تنظيم الاعتصامات، وليست مدنهم آمنة وهادئة ومستقرة كي يأتوا بخبراء في تصميم الاحتجاجات لتنقيتها من النواقص. والامر لا يقتصر على مدن غرب العراق هذه، ففي ساحة التحرير وسط بغداد كانت هناك اخطاء، وفي انتفاضة كهرباء البصرة اخطاء ايضا رغم ذلك الاخراج الفني الجميل لرموز الغضب ووضع نعش اسود مكتوب عليه "الكهرباء" على ظهر سيارة في تمثيل لمشهد تشييع الاحلام الحلوة، وسوى ذلك.
لقد ارتكب بعض المتظاهرين اخطاء، وبعض الاغلاط يتكرر كل يوم. اجري مكالمة هاتفية مع اصدقاء انباريين في قلب الحدث فيشرحون لي الجهد المبذول لتنقية الرمز والشعار، وكيف ان شبابا متطرفين ومساكين لديهم ظلامات وتنفلت اعصابهم، يسيئون الى رسالة الاحتجاج القوية التي بلورها الالاف وعلى رأسهم الشيخ عبد الملك السعدي ما شجع المرجعيات العليا على الذهاب في العمق لدعم المطالب المشروعة.
ان هناك اكثر من فريق وسط المتظاهرين، هم معتدلون يريدون تغيير المالكي ببديل معتدل من التحالف. ومتشددون يريدون هدم البرلمان واحراق الدستور واشعال فتنة. وفريق ثالث حائر يشبه معظم اهلنا المساكين ممن لم يحترفوا السياسة ولا وقت لديهم لقراءة تحليلات الجهابذة ولا العباهلة. قطاع مشغول بقوت يومه ووقود مولدة العائلة ونزح مياه السيول المجتاحة في الحكومة الغريقة.
وبدل ان نتحرك جميعا لمساعدة الحائر في حيرته، ودعم المعتدل ليعلو صوته، فإن كثيرا منا يجتنب قول ما ينبغي قوله او فعله، كي لا "يتورط" في دعم مظاهرات تتضمن هامش اغلاط يضيق او يتسع من ساعة الى اخرى ومن لقطة تلفزيونية الى اخرى وحسب مزاج وميول محرري الاخبار.
ان التيار الوطني في المظاهرات قوي يحتفظ بسمعة طيبة لدى الجميع، وهو قادر على اسكات الاصوات النشاز وفق المعطيات التي نتابعها يوميا. لكن الفريق السياسي والعسكري لرئيس الحكومة يقوم بإضعاف معتدلي الاحتجاجات لان السلطان يتمنى ان تعلو اصوات التشدد ليقول بسهولة: هذه فقاعات المسلحين وعلينا سحقها بالدبابات.
ولم نعد نسجل عتبا على فريق السلطان المختل عاطفيا والمتورط بوهم الاستبداد الكبير. لكن العتب على ساسة مرموقين هم جزء من حالة الاعتراض على نهج المالكي، الا انهم فضلوا الصمت او لم يتحدثوا او يتواصلوا او يبادروا بالمستوى المطلوب الموازي لخطورة الحدث وجسامة اللحظة.
ولا يكفي ان المرجعية العليا في النجف امرت بتغيير نهج الحكم، اذ نسمع ان الجار الايراني عاد الينا بتسويات غامضة قد تزيد الطين بلة. ولا يكفي ان السيد الصدر راح يغامر بمستقبله السياسي بهدف اطفاء نار الفتنة التي ارادها السلطان وفريقه. بل الامر وحجم السيناريوهات السوداء تتطلب جمع كل ما تبقى من حكمة في البلاد والذهاب بقوة نحو دعم التيار المعتدل في احتجاجات المنطقة الغربية قبل ان ينجح تسرع السلطان وخطواته العسكرية والبوليسية في منح المتشددين مبررا لهزيمة الاعتدال والوسطية واستبعاد التيار المؤمن بشرعية البرلمان كضامن لتعدديتنا وسلطة عليا تكبح جماح السلطان الخطاء والمتسرع.
ان نجاح المعتدلين في تمثيل الصوت الاقوى داخل الاحتجاجات يعني نجاحنا جميعا في تصحيح نهج الحكم ومحاصرة المالكي وقراراته غير الحكيمة. لذلك فالامر يستحق كل انواع المخاطرة سواء من القوى الكردية او الشيعية او التيارات الديمقراطية واليسار.
ولا احد من هؤلاء يتمنى ان يضيع علينا الوقت وان نعض اصابع الندم حين ينفلت العقال او يقوم القائد العام بتوريط الجميع في نزاع، مستفيدا من خطأ هنا او ثغرة هناك. ان التخلي عن دعم المتظاهرين والحوار معهم خطيئة بحجم وطن مذبوح ألف مرة. وبحجم جراحاتنا ودموع كل الامهات. ولن يكون سهلا ان نسامح اي طرف يقصر في ذلك لاننا دفعنا من ضرائب تقصيرهم ما لا طاقة لنا بدفعه مرة اخرى.
ماذا قال المالكي لبعض محدثيه حين ناقش "استحالة انقاذ العراق" وما يتطلبه ذلك من تضحيات؟ وماذا يعني ان اصدقاء كثيرين من الطائفتين قد تورطوا بالطائفية؟ وكيف سنذبح الوطن والطوائف الكريمة هذه المرة؟ انه حديثنا ليوم غد، اذا عصمتنا العناية الالهية من الغرق بسيول الفشل.
جميع التعليقات 1
منتظر القيسي -العراق
في كل المجتمعات توجد قطاعات واسعة ذات مقاربات سطحية في التعامل مع أزماتها البينية ,وذلك لا يغبها في شيئ فهو أمر طبيعي ,لكن الشاذ أن يتنطع البعض لقيادة المعارضين بدون أن يكون مستعداً لدفع ثمن موقفه وليس بوارد الذهاب إلي أخر الشوط دفاعاً عن قناعاته وتحمل شط