TOP

جريدة المدى > ناس وعدالة > سياحة نقل الكلى.. بين الحقيقة والخيال

سياحة نقل الكلى.. بين الحقيقة والخيال

نشر في: 3 فبراير, 2013: 08:00 م

تصلنا تقارير ومعلومات وأخبار عبر البريد الإلكتروني من حين إلى آخر تحذرنا من سارقي الأعضاء وبخاصة الكلى! قصص عن سائحين يغيبون عن الوعي بعد تعرضهم للخطف أو الاستدراج إلى غرف بالفنادق، ثم يفيقون ليجدوا أنفسهم عراة في حوض استحمام مملوء بالماء المثلج أو ب

تصلنا تقارير ومعلومات وأخبار عبر البريد الإلكتروني من حين إلى آخر تحذرنا من سارقي الأعضاء وبخاصة الكلى! قصص عن سائحين يغيبون عن الوعي بعد تعرضهم للخطف أو الاستدراج إلى غرف بالفنادق، ثم يفيقون ليجدوا أنفسهم عراة في حوض استحمام مملوء بالماء المثلج أو بالثلج، ويلاحظون جروحاً مخيّطة بأبدانهم، ثم يكتشفون لاحقاً أن بعض أعضائهم انتزعت منهم أثناء فقدانهم الوعي. تعتبر الكلى من أكثر الأعضاء البشرية التي تدور حولها قصص سرقة الأعضاء.

قصص وحكايات تدور حول الفكرة نفسها تناولتها وسائل الإعلام العربية والعالمية بما فيها السينما والمسرح والمسلسلات التلفزيونية. بعض تلك الحكايات محكمة الحبكة وبعضها حبكته الدرامية ضعيفة بحيث يرفضها العقل والمنطق .

هذه القصص تنطلي على العوام، أما فئة رجال القانون   والأطباء فلا ينبغي أن يصدقوها بسهولة، وعليهم التعامل معها بريبة وحذر وتساؤل، هذا إن لم يرفضوها أصلاً. السبب في ذلك أن عملية نزع الأعضاء وزرعها تحتاج إلى تقنيات طبية عالية واختصاصيين على درجة كبيرة من العلم والمهارة، وغرفة عمليات مجهزة ومعقمة. لا تصلح غرف الفنادق؛ بالتأكيد لمثل تلك العمليات الجراحية. كما يجب أن تنقل الأعضاء إلى المريض المستقبل في أقرب وقت ممكن، بحيث لا ينقضي بين استئصالها من الواهب أو المتبرع الحي ونقلها وزرعها في جسم المريض مدة لا تزيد على عدة ساعات، وقد تصل إلى 24 ساعة بشرط أن يحتفظ بها مبردة بعد معالجتها بمحلول خاص لحفظها من التلف السريع.

يُضاف إلى كل ما تقدم أن الكلية المستأصلة لا تصلح للزرع في أي مريض، ولذلك لا مجال للعشوائية أو الصدفة في مثل هذه العمليات. يجب أن تتطابق فصيلتا دم الواهب والمستقبل، وأن تتماثل فصائل الأنسجة بين الاثنين، وكلما زادت القواسم المشتركة من حيث تماثل الأنسجة زادت فرصة نجاح العملية وعدم رفض الجسم للعضو الجديد. المسألة ليست بالبساطة التي يظنها بعض الناس، بحيث يخطف شخص عشوائياً وتؤخذ كليته ثم تزرع في آخر دون سابق إجراء تحاليل معقدة لعينات من دم الاثنين تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب خبرات عالية. حتى نقل الدم من شخص إلى آخر لا يتم بتلك البساطة.

والأمر المهم الآخر أن العدد الكبير من المهنيين الطبيين الذين ينبغي أن يعملوا بانسجام لإنجاح عمليات الاستئصال والنقل يجعل من غير المعقول أن يرضوا ويتفقوا بالإجماع على الاشتراك في جريمة سرقة عضو من إنسان ونقله لآخر، ثم التستر على الجريمة، وعدم صحوة ضمير أي منهم فيقوم بتبليغ السلطات.

الذي يحدث في واقع الأمر هو ما يسمى (سياحة نقل الكلى)، حيث يُسافر المرضى الأغنياء إلى الدول الفقيرة لشراء كلية من إنسان فقير يعرض كليته للبيع لسد حاجاته وحاجات عياله. لهذا السبب تُحرّم قوانين معظم الدول بيع الأعضاء والمتاجرة فيها. كما لا تسمح أخلاقيات المهنة الطبية بذلك، وتحظر بعض القوانين النافذة على الأطباء إجراء عمليات النقل والزرع إذا علموا أن صاحب العضو المنقول ليس متبرعاً بل بائعاً لذلك العضو.

تؤكد الوقائع أن الاتفاق على بيع الكلى يجري أحيانا في موطن الطرفين، أي البائع والمشتري، حيث تُجرى الفحوص المبدئية، ثم يسافر الطرفان إلى دولة أخرى ويدعيان بوجود صلة قرابة بينهما ويصدق الطبيب الأجنبي بأن الطرف الأول يهب كليته طوعاً إلى الطرف الثاني، ويوقع الطرف الأول على إقرار منه بذلك، وبناءً على تلك المعلومات الزائفة يوافق الطبيب على الشروع في العملية.

في إحدى تلك الوقائع الموثقة التي وصلتني ؛ ندم الطرف الأول على بيع كليته بثمن بخس وطمع في زيادة المبلغ المالي المتفق عليه، ولما لم يستجب الطرف الثاني لطلبه؛ ذهب إلى الشرطة وادعى أنه تعرض لسرقة كليته، واختلق قصة ملفقة بأنه غُرر به واستدرج للموافقة على فحوص طبية وأعطي حقنة أفقدته الوعي وعندما أفاق وشاهد الجرح أدرك لاحقاً أن كليته قد سرقت. تمكن محامي الطرف الثاني في تلك الحالة من إثبات عملية البيع والشراء إلى درجة أنه استطاع أن يحصل على الصحيفة المحلية التي أعلن فيها الطرف الأول عن رغبته في بيع كليته وقدمها إلى المحكمة من ضمن الأدلة الداحضة لادعاء الطرف المشتكي.

في إحدى الدول الفقيرة يشتري المستشفى الكلية من صاحبها بمبلغ يعادل ألف دولار، ثم يبيعها إلى المريض بعشرة أضعاف ذلك المبلغ، بالإضافة إلى مصاريف إجراء العملية المتعلقة بالمستشفى والجراحين والمعدات وما إليها.  عجيب أن يصل الحال بالإنسان إلى درجة اضطراره لبيع أعضائه؛ بسبب الفاقة، وبسبب إهمال الحكومات المسؤولة التي يفترض أن تُسخّر مواردها من أجل توفير سبل العيش والأمان والرعاية الصحية لمواطنيها. والأعجب من ذلك أن حرص إنسان آخر على (حياة) يجعله يرضى بأن يشتري كلية من فقير محتاج ليطيل من عمره بضع سنوات يقضيها في عناء وتعب ومشقة. لقد قصدت أن أضع (حياة) في صيغة النكرة في إشارة إلى قوله تعالى: ((ولتجدنهم أحرص الناس على حياة)) {البقرة -96}.

من جهة أخرى، فإن الأنباء تؤكد أن الذين تنفذ فيهم أحكام الإعدام في بعض الدول تُستخدم أعضاؤهم للزرع من دون سابق توصية أو موافقة منهم، وتتولى الحكومة نفسها عملية سرقة الأعضاء من الموتى المعدومين من أجل الكسب المادي وجني المبالغ المالية الكبيرة من المرضى الذين تنقل إليهم تلك الأعضاء، وفي غمار ذلك تنتعش شبكات من الفساد الأخلاقي والإداري والمالي.

كل ما تقدم يجعل من الصعب تصديق الروايات المتداولة حول سرقة الأعضاء، وبخاصة أن معظم تلك الروايات تُروى على لسان طرف ثالث غائب أو مجهول تماماً؛ مثلها كالروايات التي تدور حول العفاريت والجن والسحر. فيقال مثلاً: سمعت، أو قرأت في صحيفة (دون ذكر المصدر)، أو قال لي طبيب أو صديق في بلاد كذا (مكان بعيد يتعذر السفر إليه للتأكد من صحة الخبر). قصص سرقة الأعضاء تظل أمراً محفوفاً بالشكوك، أقرب إلى الأساطير وحكايات الجدات للأحفاد منه إلى الحقيقة، ويظل في نظري وهماً وخرافة إلى أن تثبت صحته بالدليل القاطع .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

البرلمان يعقد جلسته برئاسة المشهداني

الأمم المتحدة: غزة تضم أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف في العالم

هيئة الإعلام: إجراءاتنا تواجه فساد المتضررين

الهجرة تعلن بدء عودة العوائل اللبنانية وتقديم الدعم الشامل لها

اللجنة القانونية: القوانين الخلافية تعرقل الأداء التشريعي للبرلمان

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

كانت ليلة من ليالي رمضان، تناول الزوج (س) فطوره على عجل وارتدى ملابسه وودّع زوجته، كان الأمر عادياً، لكن لسبب تجهّله، دمعت عينا الزوجة. ابتسم في وجهها وهَمَّ بالخروج الى عمله بمحطة الوقود الخاصة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram