ليس مفهوماً الموقف المتعجل لبعض قوى المعارضة السورية، رفض إعلان رئيس الائتلاف المعارض معاذ الخطيب، بشأن استعداده المشروط، وكبادرة حسن نية، للجلوس مباشرة مع ممثلين للنظام السوري، شرط أن يكون من سيمثل النظام في هذه المفاوضات أشخاص لم تتلطخ أيديهم بالدماء، فالرجل وهو يراقب موقف المجتمع الدولي، الذي تخلّى عن أي دعم للثوار، يدرك أن الحرب لا يمكن أن تنتهي بدون تسوية سياسية، مثلما يدرك أن الحل العسكري في هذه المرحلة، ليس أكثر من وهم، وأن الراهن هو تطويل أمد النزاع المسلح، مع ما ينجم عن ذلك من معاناة للشعب السوري، ويجعل صعباً التوصل إلى عقد اجتماعي جديد بين السوريين، يضمن وحدة وطنهم.
الخطيب اشترط إفراج النظام عن 160 ألف معتقل في سجون النظام، وتجديد جوازات سفر السوريين المقيمين خارج وطنهم، بمن فيهم المنتمين للمعارضة، وهما شرطان يبدوان سهلي التحقق، ولمّا كا بديهياً أن ترفض دمشق الشرطين فإنه يكون ألقى بالكرة في ملعب النظام، الذي يدعو معارضيه للحوار، كما أنه لعب على وتر الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس، من حيث طمأنتها ومعها الطائفة العلوية، بأن سوريا المستقبل لن تلجأ لعمليات انتقامية، كما أنه أدرك أن الدول الداعمة لفظياً للثورة مستعدة للتخلي عنها والتعايش مجدداً مع نظام الأسد.
تحدث الخطيب بلسان سياسي، افتقده معظم من تصدّوا لقيادة المعارضة السورية، رغم أنه حديث عهد بالعمل السياسي، ولكي يرد على الغرب المتخاذل في نصرة الثوار، شدد أن المعارضة لا تسعى إلى تقويض الدولة، وتعتبر تهديمها جريمة وطنية، لكنه أكد أن بنادق الثوار ستبقى مرفوعة، وأنه سيدعو إلى قصف قيادات نظام الأسد إذا فشل الحل السلمي، وفوق ذلك وضع العالم أمام مسؤولياته، معتبراً أن سوريا باتت بحيرة من الدماء، وشدد على أن مجلس الأمن يمثل الملاذ الأخير، لإيجاد حل سياسي للأزمة.
لا ينطلق الخطيب من مجرد رؤيته الشخصية للأمور، وإن كان يعلن أن مبادرته شخصية، يتحمل مسؤوليتها، وهو على تواصل مع القيادات الميدانية، التي ترى أن أي مبادرة لتخفيف آلام الشعب مفيدة جدًا، خصوصًا بعد الإحباط وخيبة الأمل التي تعيشها قوى المعارضة، وأن السياسة فن الممكن، وهو بغير شك يدرك تفاصيل الخطاب الدولي الذي يرفض تقديم أي مساعدة عسكرية للمعارضة، والذي يدفع نحو حل دبلوماسي، وهو يراقب بعين يقظة ما يجري من تحركات دولية، قد تفضي إلى حل بدأ يتبلور، ويرفض التشكيك بفشل أي مفاوضات بين السوريين أنفسهم، لأن الطرفين لا يعترفان بشرعية الآخر، فالمعارضون بالنسبة إلى الأسد، دمى يحركها الخارج، بينما الأسد عندهم مجرد سفاح دموي.
الخطيب ومن خلال شروطه وفي ضربة معلم، أدركها المعارضون متأخرين، أبدى بعض الانفتاح، الذي سيمكنه من تحميل النظام مسؤولية رفض التفاوض في مرحلة لاحقة، وإذا كان بعض المعارضين اعتبروا أن مبادرة الخطيب تتناقض مع مبادئ الائتلاف، الرافضة للحوار مع نظام الاسد، فإنهم عادوا للموافقة عليها، مضيفين شرطاً جديداً، هو أن أي حوار يجب أن يؤدي إلى تنحي الأسد، والخطيب لم يحد عن أهداف الثورة، حين أبلغ نائب الرئيس الأميركي، أن كل ما يمكن فعله لوقف مأساة السوريين مقبول بالنسبة الى المعارضة، بما في ذلك التشويش على الطائرات الحربية، لمنعها من قصف المواطنين المدنيين.
سؤال لمعارضي الخطيب، هل لاحظتم أن النظام في دمشق لم يرد على المبادرة أو يعلق عليها؟، حين تعرفون الجواب ستدركون أنه كان على حق.