TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > أغرب محاولة اغتيال لكاتب ساخر؟!..كناس الشوارع (ميخائيل تيسي)

أغرب محاولة اغتيال لكاتب ساخر؟!..كناس الشوارع (ميخائيل تيسي)

نشر في: 25 أكتوبر, 2009: 05:44 م

عبدالكريم السعدونقادتني المصادفة للالتقاء بشخص يوحي شكله بالرقة والهدوء في متوسط العمر، كان يقدم اوراقا لسيدة محررة في احدى الصحف المحلية املا في نشرها كاعمدة ساخرة في احدى زوايا الصحيفة،، قدم باسم (كناش الشوارع الابن) ولم اعلم اذا كانت السيدة المحررة الفاضلة قد انتبهت الى مغزى التسمية التي اصر عليها ام لا.. ولكنها اصرت ان يذكر اسمه الصريح..
ومع ذلك فعندما رحل الشخص الهادئ بحمله وشوشت في مسامعها من كان ذلك الغريب.. ولشد مادهشت عندما قدم اسمه على استحياء وظلت الدهشة عالقة في ذهني مع العنوان الذي ذكره لها ونسيت اسمه الصريح الذي ذكره على مضض وبقيت انتظر ان تزين اعمدته صفحات الصحيفة المحلية تلك ولكن.. لاجدوى فتلك عادة صحفنا في احتضان الطامعين في النشر فيها!! على العموم فلم انس ذلك العنوان الذي ذكره الهادئ الغريب (كناس الشوارع الابن) (روحي ميخائيل تيسي) الابن الوحيد لاول كاتب ساخر في العراق ظهر في اوائل هذا القرن رائدا صحافة الهزل. ولد كناس الشوارع (ميخائيل تيسي) عام 1955 في بغداد ودرس في مدرسة القديس يوسف اللاتينية حيث تعلم فيها اللغة العربية والفرنسية، وتوفي في 8/12/1962 سادلا الستار على حياة حافلة ثرة.. امتلك (ميخائيل تيسي) ثقافة جيدة وسعة اطلاع منذ صغره في وقت كانت وسائل الاتصال الحضاري بسيطة ان لم تكن معدومة ساعدته في ذلك معرفته للغات اجنبية فقد عمل في حقل الترجمة.. فترجم كتاب (ماهية النفس) لمؤلف انكليزي على حد ماذكره (الشيخ جلال الحنفي) اثار في وقته حنق الكنيسة في بغداد واشتكته الى الدولة معتبرة اياه كتابا في الهرطقة لانكار مؤلفه وجود الروح.. وعمل خلال الاربعينيات مترجما في البلاط الملكي. دخل معترك الصحافة بسلسلة من المقالات النقدية اللاذعة بتوقيع (كناس الشوارع) نشرها تباعا بجريدة (الرافدان) البغدادية لصاحبها (سامي خوندة) وقد اصدر مجلته (كناس الشوارع) كاول مجلة هزلية عراقية وبعدها اصدر (سينما الحياة) ثم اعقبها بـ(امرأة الحلل) الهزليتين ايضا وفيما بعد اصدر جريدة (الناقد) الاسبوعية.. وقد جمع المرحوم محمود حلمي صاحب المكتبة العصرية مقالات كناس الشوارع واصدرها في كتاب موسوم بـ(نقدات كناس الشوارع مصدرا اياه بمقدمة ذكر فيها: عللنا جمة ونواقصنا كثيرة وقد آن لنا ان نفيق من غفلتنا فنسعى لايجاد الدواء الناجع والتخلص من مضارها.. وبينما انا في ذلك اذ قامت ضجة حوالينا وهبت عاصفة عندنا اثارها بطل من الابطال من وراء ستار التنكر اذ صار يكتب في احدى الصحف سلسلة مقالات يومية انتقادية بقلم هزلي بتوقيع (كناس الشوارع) وياله من كناس كاد يخرق الحجب الكثيفة فيصل الى اظهار كل ناقص فينا. ويعتبر الاستاذ (جميل الجبوري) في كتابه (حبزبوز.. وصحافة الهزل في العراق) مجلة (كناس الشوارع) فاتحة صحافة الهزل في العراق معترفا لها بالريادة في هذا المجال ولربما يتساءل البعض لماذا هذه التسمية (كناس الشوارع) ولماذا اختارها صاحبها.. وهي تسمية مثيرة وجذابة.. يقول هو عن اختياره لهذه التسمية من ان الكناس يحمل مكنسته دائما يكنس الاوساخ ويظهر العيوب والنواقص ومثبتا نص عبارته.. في صدر المجلة.. مرافقا لصورة الغلاف حيث رسم الكناس يحمل مكنسة بيده ويجوب الشوارع. ولكن حين ذكرت الشيخ الفاضل (جلال الحنفي) وهو موسوعة بغدادية.. بالمجلة وبالتسمية ابدى شكوكه بمصدرها اذ يعتبر (ميخائيل تيسي) ذا ثقافة واسعة واطلاع ممتاز وتسميته تلك لاترتبط بواقع الحال في عصره ذاك.. اذ لم يكن في بغداد سوى شارع واحد هو شارع الرشيد وبغداد عبارة عن محلات والمحلة مترابطة شوارعها ضيقة وليس من المستحسن ان نتوقع وجود كناس في بغداد تعينه الدولة.. وقد اتفق مع الشيخ الفاضل (جلال الحنفي) في تحليله ذلك اذ ان المشاهد لصورة الغلاف يرى رجلا يرتدي ملابس اوربية وفي ذلك الوقت كان الزي السائد هو الزي البغدادي وان الارجح ان يكون المرحوم (كناس الشوارع) قد شاهد الكناس في احد البلدان الاوروبية التي زارها واعجبته وبقيت صورته عالقة في ذهنه تخيلها رسام له في صدر غلاف المجلة الاول.. وقد تكون تلك التسمية لمطبوع اجنبي وذلك لاينفي باي شيء جودة الاسم وانطباقه على مايرمي اليه المرحوم (تيسي) في نقداته اللاذعة لاحوال المجتمع اذ ذاك.. وقد يعزز اطلاع (تيسي) وثقافته الواسعة انه كتب بعض نقداته في مواضيع لم تكن تدور في خلد احد او تثير الاهتمام اكثر من غيرها من مشاكل المجتمع الطافحة في بدايات هذا القرن في العراق فعلى ماذكره (روحي ميخائيل تيسي) بان والده تعرض لبعض المتاعب مرة عندما كتب عن التلوث البيئي الذي يحدثه مصنع في وسط المدينة؟. هل سبق عصره؟. يعتبر (كناس الشوارع) بحق كاتبا ساخرا كبيرا ويعتبره الشيخ الحنفي من كبار كتاب الهزل ويكاد يصل مستواه العالي بالسخرية الى مستوى مضحك السلاطين وتلك تسمية يقصد بها رقي نقداته. فهي سخرية متزنة عالية المستوى. ولعل من معظم ماكان يتطرق اليه (تيسي) في نقده الخروج على الاخلاق الراقية للمجتمع والتطرق الى ما استجد في الحياة العملية في العراق من مظاهر صناعية اي انه عاصر التحولات الجديدة في المجتمع في بداياتها وكتب نقداته مرافقا لها فكان مأخوذا بالوصول الى مجتمع سليم دون انتظار لما ستسفر عنه تلك التحولات. يقول (كناس الشوارع الابن): نشأت صديقا لابي لم اس

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram