سادت حالة من التفاؤل الأوساط السياسية العربية، بعد تولي وزير الخارجية الأميركية الجديد جون كيري منصبه، دون أن يؤثر ذلك في مشاعر الشارع، المقتنع بأن واشنطن ستظل أسيرة السياسات الإسرائيلية، بغض النظر عن ساكن البيت الأبيض، أو قائد الدبلوماسية الأميركية، أو من يشغل موقع الرجل الأول في البنتاغون، وهي مشاعر مبنية على تراكمات التجارب التي مرّ بها الاهتمام الأميركي بالقضية الفلسطينية، وهي في مجملها سلبية تجاهلت على الدوام الحقوق الفلسطينية وانحازت بشكل مخجل إلى كل ما قررته تل أبيب في تعاملها مع الفلسطينيين،خصوصاً، ومع العرب بشكل عام، ولنا أن نتذكر دور وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر الذي فرّغ نصر تشرين 73 من محتواه وحوّله إلى بورصة للتفاوض لم تكن فيها واشنطن حكماً بقدر ما كانت طرفاً لا يخفي انحيازه للدولة العبرية.
في إشارة مقصودة إلى أن المسألة الفلسطينية ستكون أحد أبرز أولوياته هاتف كيري كلاً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس والإسرائيلي بيريز ورئيس الوزراء نتنياهو، ليؤكد لهم أنه والرئيس أوباما يريدان التوصل إلى حل يؤمن سلاماً دائماً بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكنه لم يتمكن، أو لم يشأ، إخفاء انحيازه لإسرائيل، حين أشاد خلال اتصاله بالرئيس عباس، بما وصفه بالمبادرة الإيجابية، التي قام بها الإسرائيليون، بإفراجهم عن 100 مليون دولار من الأموال المجمدة لديهم، والتي يجبونها لمصلحة السلطة الفلسطينية، وهي أموال كانت محجوزة على غير وجه حق، ويعرف كيري أنها حق للسلطة الفلسطينية، تجبيه إسرائيل بسبب مرور البضائع من نقاطها الحدودية إلى المناطق الفلسطينية، بحكم الواقع الجغرافي، وافتقار مناطق السلطة إلى نقاط حدودية يمكن استيراد البضائع من خلالها.
في إشارة ثانية إلى اهتمامات كيري، فإن حديثه مع بيريز، تركز على عرض قدمه الرئيس الإسرائيلي، حول المحادثات الجارية في إسرائيل، بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، واستعرض له نتنياهو المشاورات التي يجريها لتشكيل حكومته الجديدة، بعد فوزه في الانتخابات التشريعية المبكرة، التي أجريت قبل أسبوعين، وفي حين أعلنت الرئاسة الفلسطينية، أن كيري اتفق مع عباس على ضرورة الالتقاء في القريب العاجل، فإن بيان الخارجية الأميركية لم يتطرق إلى هذه النقطة، وبحيث بدت المكالمة بين الرجلين بروتوكولية، بغير مضمون سياسي واضح، وفي جانبها الإسرائيلي، كانت للاطمئنان على قدرة نتنياهو على تشكيل حكومة تواصل سياسات حكومته السابقة، وهي سياسات بعيدة عن أي مسعى لإحلال السلام مع الفلسطينيين.
ليس مفهوماً على ماذا استند المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية وهو يتبرع بالتأكيد على أن الرئيس الأميركي يولي اهتمامه بعملية السلام ودعمه هذه الجهود، وأن الإدارة الأميركية تعي تماماً المصاعب الاقتصادية التي يواجهها الشعب الفلسطيني، في حين هددت تلك الإدارة بوقف أي معونات للفلسطينيين، حال قيامهم بأي خطوة سياسية لحفظ حقوقهم، ولا ندري إن كانت مثل هذه التصريحات تخدم فعلاً الحق الفلسطيني، في حين أن المطلوب هو الحديث عن انحياز واشنطن الفج لكل السياسات الإسرائيلية، بغض النظر عن كونها مناوئة للسلام، وراغبة في سد كل السبل المؤدية إلى حل الدولتين، المقبول عربياً وفلسطينياً، والذي تتبناه واشنطن في الظاهر، ولا تعمل على وضعه موضع التنفيذ.
أولى خطوات السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، في رئاسة أوباما الثانية، ووزير خارجيته الجديد، لا تبشر بالخير، ولا تفتح أي كوّة للأمل، والأيام بيننا.
كيري حين يهتمّ بالقضيّة الفلسطينيّة!
[post-views]
نشر في: 4 فبراير, 2013: 08:00 م