TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > توريط الربوبية

توريط الربوبية

نشر في: 4 فبراير, 2013: 08:00 م

الإنسان كائن بشع في الكثير من تجلياته، في قتله لأبناء جلدته حدَّ إبادتهم، وفي استغلاله للطبيعة حدَّ تدميرها، وفي أشياء وممارسات أخرى كثيرة. لكن تكمن الممارسة الأكثر بشاعة في تسخيره للرب واستغلاله من خلال اجباره على شرعنة جرائمه.. نعم، تكمن أبشع جرائم الإنسان في تخييره الرب بين خيارين، بين أن يصطف بصفه ويشارك معه في قتال أعدائه، وبين أن يتعرض لمحو اسمه وإبادة أتباعه.

هذا ما حصل عبر تاريخ هذا الكائن، فهو دائماً يمحو اسم الرب الذي لا يحقق رغباته ولا يشاركه حروبه، ولو أجرينا حفراً بسيطاً في التاريخ فسنجد الكثير من الآلهة الذين هُدِّمت معابدهم ومُسِحَت أسماؤهم وأبيد جميع أتباعهم، لأنهم كانوا مخالفين أو مختلفين مع المنتصر.. في جميع معارك البشر ضد بعضهم البعض، ومنذ فجر التاريخ وإلى الآن، ثمة إله، أو أكثر، يقف خلف أي جيشين متحاربين، على أحدهما أن ينتصر وعلى الآخر أن يقبل بالهزيمة.. الهزيمة التي تعني محو ذكره وإبادة معظم أتباعه.

هذا الأمر يدعونا للتأمل طويلاً، أقصد التأمل في استغلال الإنسان لسلطة وقدسية الآلهة، فهذا الاستغلال يكشف لنا بعداً مظلماً من أبعاد الوعي البشري، فالإنسان الذي يزرع نفسه بالبارود ثم يتوسط أتباع الأرباب الآخرين ويفجر نفسه بينهم، إنسان مجرم، ليس فقط لأنه يقتل المختلف، بل لأنه يقدس هذا القتل ويُحَمِّل الرب مسؤوليته. والسؤال الذي يطرح نفسه بهذا الخصوص هو: لماذا يفعل الإنسان ذلك؟ لماذا يُصر على اشراك الآلهة بجرائمه؟

أعتقد بأن السبب معروف، فهي محاولة بائسة لقمع الضمير الإنساني، فقوانين هذا الضمير واضحة لأنها بسيطة، وهي تحدد الخير والشر بشكل مباشر وصريح، لكن الإنسان لم يستطع أن يتعايش مع هذه القوانين التي تمنعه من تحقيق أنانيته، لذلك ابتكر مفهوم الرب من أجل أن يقفز على وضوح الضمير ويشرع لنفسه ما يبيح له القتل والسرقة وبقية الجرائم الأخرى.

لو كان تفجير النفس بين الأبرياء عملاً مقبولاً، لما احتاج الانتحاري إلى مبررات ربانية، وحاجته لمثل هذه المبررات تكشف لنا عن أن الضمير الذي جاءت هذه المبررات لتسكت نداءه، ضمير حي ولا يمكن إسكات جميع نداءاته. لذلك ينادي هذا الضمير عند كل جريمة نداء استغاثة لا يمكن سماعة، لكن يمكن تتبع آثاره من خلال العلامات التي تؤكد توريط أحد الأرباب بهذه الجريمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram