الإنسان كائن بشع في الكثير من تجلياته، في قتله لأبناء جلدته حدَّ إبادتهم، وفي استغلاله للطبيعة حدَّ تدميرها، وفي أشياء وممارسات أخرى كثيرة. لكن تكمن الممارسة الأكثر بشاعة في تسخيره للرب واستغلاله من خلال اجباره على شرعنة جرائمه.. نعم، تكمن أبشع جرائم الإنسان في تخييره الرب بين خيارين، بين أن يصطف بصفه ويشارك معه في قتال أعدائه، وبين أن يتعرض لمحو اسمه وإبادة أتباعه.
هذا ما حصل عبر تاريخ هذا الكائن، فهو دائماً يمحو اسم الرب الذي لا يحقق رغباته ولا يشاركه حروبه، ولو أجرينا حفراً بسيطاً في التاريخ فسنجد الكثير من الآلهة الذين هُدِّمت معابدهم ومُسِحَت أسماؤهم وأبيد جميع أتباعهم، لأنهم كانوا مخالفين أو مختلفين مع المنتصر.. في جميع معارك البشر ضد بعضهم البعض، ومنذ فجر التاريخ وإلى الآن، ثمة إله، أو أكثر، يقف خلف أي جيشين متحاربين، على أحدهما أن ينتصر وعلى الآخر أن يقبل بالهزيمة.. الهزيمة التي تعني محو ذكره وإبادة معظم أتباعه.
هذا الأمر يدعونا للتأمل طويلاً، أقصد التأمل في استغلال الإنسان لسلطة وقدسية الآلهة، فهذا الاستغلال يكشف لنا بعداً مظلماً من أبعاد الوعي البشري، فالإنسان الذي يزرع نفسه بالبارود ثم يتوسط أتباع الأرباب الآخرين ويفجر نفسه بينهم، إنسان مجرم، ليس فقط لأنه يقتل المختلف، بل لأنه يقدس هذا القتل ويُحَمِّل الرب مسؤوليته. والسؤال الذي يطرح نفسه بهذا الخصوص هو: لماذا يفعل الإنسان ذلك؟ لماذا يُصر على اشراك الآلهة بجرائمه؟
أعتقد بأن السبب معروف، فهي محاولة بائسة لقمع الضمير الإنساني، فقوانين هذا الضمير واضحة لأنها بسيطة، وهي تحدد الخير والشر بشكل مباشر وصريح، لكن الإنسان لم يستطع أن يتعايش مع هذه القوانين التي تمنعه من تحقيق أنانيته، لذلك ابتكر مفهوم الرب من أجل أن يقفز على وضوح الضمير ويشرع لنفسه ما يبيح له القتل والسرقة وبقية الجرائم الأخرى.
لو كان تفجير النفس بين الأبرياء عملاً مقبولاً، لما احتاج الانتحاري إلى مبررات ربانية، وحاجته لمثل هذه المبررات تكشف لنا عن أن الضمير الذي جاءت هذه المبررات لتسكت نداءه، ضمير حي ولا يمكن إسكات جميع نداءاته. لذلك ينادي هذا الضمير عند كل جريمة نداء استغاثة لا يمكن سماعة، لكن يمكن تتبع آثاره من خلال العلامات التي تؤكد توريط أحد الأرباب بهذه الجريمة.