TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نُذر العاصفة

نُذر العاصفة

نشر في: 4 فبراير, 2013: 08:00 م

لن يذهب المحتجون في المحافظات والمناطق السنية الى التفكير فيما بات يعرف بـ "الربيع العربي". كما لن يذهبوا الى الفوضى. فهذه نتيجة قاصمة لظهر الجميع، مدمرة للجميع، ومهلكة للجميع. ولكن "قرار" الامتناع عن قطع المسافة المخيفة الى ما سيكون عندنا "مسخ الربيع" أو الى الفوضى، لا يكفي لطمأنتنا حتى ننام ملء العيون، راضين عن وقوف المظاهرات والاحتجاجات عند حدود لا تتعداها، وصابرين على جمود أو بطء التحركات الحكومية في الاستجابة للمطالب، خصوصا ما يُعد مشروعا منها بنظر الجميع دون خلافات تذكر.

ذلك ان لهذا الجمود نتائج خطيرة، أهمها تنمية الاحتقان الطائفي، وزيادة التطرف بين الجانبين، وتعاظم الأضرار التي تلحق كل جوانب الحياة جراء استمرار الأزمة السياسية. وفي ظل هذا الجمود يمكن ببساطة توقع زيادة أعمال العنف، وتصاعد عمليات "القاعدة". فهذه "المخلوقة" البشعة، ونظائرها من الميليشيات والجماعات المسلحة، تعيش على الانقسامات السياسية، وتتغذى بأجواء الاحتقان الطائفي، ويشتد عودها كلما ساد التطرف، وتنتعش في ظروف العسر الاقتصادي، وتقوى كلما ضعف الأمن القومي أو الوطني.

وهناك وفرة صاخبة من هذه العوامل والأسباب. واذا تعذر على الحكومة، والعملية السياسية، تهدئتها وتبريدها والتقليل منها، فلن تكون هناك ضمانة لعدم انزلاق الوضع العراقي الى الفوضى. إن الضمانة في هذه الأحوال تقدمها قيادات مسؤولة ومسيطِرة على الجمهور. ولكن مثل هذه الضمانة، على فرض وجودها، قد تذوب مع أول هبة ساخنة من الجمهور. وهبَّات الجماهير لا تأتي عادة بفعل فاعل، ولا بتدبير عاقل، وانما تتضافر على اطلاقها صدف تصنعها تراكمات لاواعية من العواطف والأهواء العاصفة.

هل يشعر المالكي ورهطه بفداحة هذا الخطر وهول نتائجه اذا وقع لا سمح الله؟ أم ان سكرة السلطة قد أعمت القلوب؟

إن مفتاح التهدئة والحل بيد الحكومة، وهو ليس عسيرا ولا مستحيلا. ولعل اختزاله ممكن بكلمة واحدة هي "الاحترام". ويا لها من كلمة محورية فاصلة بين عقليتين، بل بين عالَمين وعصرين.  ونحن نسمع، وبعض قادة الاحتجاج يقول، ان هناك رسائل تنفيذ جيدة لبعض المطالب تصل من الحكومة الى المحتجين، لكن تقابلها وتزيد عليها رسائل تصعيد عبر الاعلام، وعبر اجراءات كالتي اتخذت ضد وزراء "العراقية"، وعبر مظاهرات التأييد المفتعلة التي تحاول أن تضع جمهور الحكومة في مواجهة جمهور الاحتجاج.

ولذلك يمكن القول ان توقف الحكومة ومشتقاتها عن سياسة التصعيد هذه ضد الاحتجاج، والتعبير بدلا من ذلك عن احترامه، بكل السبل المعبرة تعبيرا حقيقيا عن الاحترام، خطوة مهمة على طريق الحل.

والترجمة العملية لهذا الاحترام تتمثل بتحقيق المطالب المشروعة، بإنهاء كل مظاهر الشذوذ العسكري والأمني والقضائي، بدءً بإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء وايقاف الاعتقالات العشوائية، مرورا بسحب القوات العسكرية من المدن ومنع عودتها اليها الا في ظروف الطوارىء التي يشرعها البرلمان، حسبما يقول الدستور، وصولا الى اعادة الاعتبار لمهمة تحقيق العدالة من خلال اعتماد أجهزة الشرطة والقضاء على نظام الأدلة والبراهين بدل نظام الاعتراف الذي يقوم على التعذيب.

إن أفضل ما في احتجاجات المناطق السنية هو انها تمثل أكبر وأشجع محاولة حدثت حتى اليوم في ظل "الديمقراطية الفتية" لتكريس شرعية التظاهر السلمي تعبيرا عن المطالب. وإن أسوأ ما تفعله الحكومة هو "الشك" أو الإزدراء بهذه الوسيلة أو غيرها من وسائل حرية التعبير. فهذا هو ما تفعله عادة أنظمة الاستبداد. وسيكتسب هذا الاستبداد مسحة طائفية اذا ارتكبته حكومتنا. وهذه هي الكارثة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. محمد الكاتب

    شكرا للكاتب لانه مؤمن بالديمقراطية التظاهر حق لنا نحن من اهل السنه المالكي لا يمثلنا هو يمثل من انتخبه و من حق اي شعب المطالبة بحق تقرير المصير و الوحدة التي تقام بالدم و القمع فاشلة و ما صدام عنا ببعيد لذا اقتضى التنويه ....و شكرا

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram