المتابع لسلسلة التصريحات، الصادرة عن قيادات جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، يجد نفسه في حيرة، فقد اعتدنا تناغم المواقف الصادرة من البيت الإخواني، ولا نقول تطابقها، أمّا اليوم فإن المراقب العام همام سعيد، وهو من عتاة الصقور، يؤكد رفض المشاركة في الحكومة، وأن العروض الجانبية مرفوضة شكلاً وموضوعاً، لكن نائبه زكي بني رشيد خرج بتصريح مختلف، حيث أكد أنه في حال تم عرض الأمر بشكل رسمي وجدّي من صاحب القرار، فإن الجماعة ستعمل على دراسة وبحث الأمر، لاتخاذ القرار المناسب.
في موازاة ذلك أكد القيادي في الحركة الإسلامية، الدكتور عبد اللطيف عربيات، أنه لم يكلف تشكيل الحكومة، مبيناً أنه لم يجرِ أي شيء رسمي في هذا الجانب، وإن حدث أي شيء فإنه ملتزم بالعودة إلى الجماعة، ويمكن أن نستشف من ذلك، أن هناك شيئاً "غير رسمي"، وفي حال تحوله إلى "رسمي"، فإن الجماعة ستعمل على دراسة وبحث الأمر، لاتخاذ القرار المناسب، بحسب ما كان أعلنه بني رشيد، وذلك يتعارض كلياً مع تصريحات صقر الجماعة الأول همام سعيد، الرافضة لكل شكل من أشكال التعاون، ما لم يرضخ الجميع لرأيه ورؤيته، كيف لا، وهو يرأس جماعة تستمد شرعيتها من السماء، دون أن يدلنا أحد كيف ومتى حصل ذلك.
في قضية أخرى هي الانتخابات البلدية، المقررة في أيلول المقبل، شدّد الصقر الثاني بني رشيد على مقاطعتها، وهدّد بمحاكمة حزبية لأي عضو في الحركة يحمل رأياً مغايراً، لكن دبلوماسي الحركة الهادئ، حمزة منصور ترك الباب موارباً بقوله إن الأمر ليس قيد البحث، وأن المشهد السياسي العام بحاجة إلى مراجعة، ومن المبكر أن نعلِّق على موضوع الانتخابات البلدية، ونريد أن نعرف أولاً إلى أين البلد ذاهبة، وبمعنى من سيشكل الحكومة، ومن سيكون أعضاء مجلس الأعيان، وأكثر من ذلك أن القرار بهذا الصدد يعتمد على مواقف الدولة تجاه الإخوان.
قاطع الإخوان الانتخابات وحثّوا الجميع على اللحاق بهم، لكن العجلة دارت، ولدينا اليوم مجلس نيابي طازج، صحيح أن ليس فيه أحزاب كبيرة، تمتلك وزنها وقادرة على تشكيل حكومة نيابية، لكن الصحيح أن فيه أفراداً يمكنهم تشكيل كتل وازنة، تحمل الهمّ الشعبي، ولا تسعى لدخول النادي الوزاري، ويبدو مبشراً بالخير تشكيل كتلة تضم أكثر من ثلاثين عضواً، تبنّت في برنامجها المتنوع معظم مطالب الحراك الشعبي، بما فيها أغلب مطالب الإخوان، مع أنها تضم اليسار والديمقراطيين والقوميين، وهي تسعى لاستعادة ثقة المواطن بمجلس النواب، من خلال استكمال التعديلات الدستورية الضرورية، والالتزام بمبدأ الحكومة البرلمانية، بوصفها الهدف الرئيسي للإصلاح، مع مجموعة من الخطوات الإصلاحية الأخرى، التي تتماشى مع الواقع الأردني.
لا نظن أن هناك انقساماً في الهرم القيادي لجماعة الإخوان، لكن الواضح أن هناك تبادلاً للأدوار، يستهدف لفت النظر، ومهم هنا ما أعلنه القيادي في الحركة رحيل الغرايبه، من أن حزب جبهة العمل وهو الذراع السياسي للإخوان، مستعد للمشاركة في إدارة المرحلة وتحمّل المسؤولية، وإذا علمنا أنّ الحزب يمثل العقل السياسي للحركة الإسلامية، فهذا يؤشر على عزمها خوض هذا المضمار لأنّه ليس معقولاً أن يتمّ طرح هذا الخيار، ثمّ يتبعه الاستنكاف عن المشاركة، فهذا تناقض واضح وجلي، وهنا فقط يمكن الإجابة على سؤال الشيخ منصور إلى أين تذهب البلد.