موسم جديد لـلـ (بي اف آي) في هوليوود لأفلام الممثل الرائع مونتغمري كليفت. في فترة ما بعد الحرب، برز ثلاثة ممثلين اميركان: مارلون براندو (المولود في 1924 ) وجيمس دين ( ولد 1931 ) وأكبرهم سنا مونتغمري كليف ( ولد 1920 ). أسطورة براندو الرائد
موسم جديد لـلـ (بي اف آي) في هوليوود لأفلام الممثل الرائع مونتغمري كليفت. في فترة ما بعد الحرب، برز ثلاثة ممثلين اميركان: مارلون براندو (المولود في 1924 ) وجيمس دين ( ولد 1931 ) وأكبرهم سنا مونتغمري كليف ( ولد 1920 ). أسطورة براندو الرائدة تبدو هي الأكبر، بينما مستقبل جيمس دين القصير والمنكوب قد ولّد الهستيريا. لكن كليفت كان دائما هو الأروع.
هناك قوة في أداء كليفت يفتقر إليها الاثنان الآخران – حتى براندو بثقله وجاذبيته الحيوانية يبدو وكأنه يجري حوارا داخليا مع نفسه عن تقنيات التمثيل. في الوقت الحاضر، يبدو تمثيل جيمس دين طائشا وعصبيا. لكن كليفت ظهر صادقا: انه يصور المنعزلين، ويتحدى ما هو مألوف ويقاوم التيار العام؛ في أحسن حالاته كان يلعب دور المثالي صاحب المبادئ، الذي لا تلين عزيمته.
في العقد الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، كان كليفت يحتكر الموهبة الرجالية في الأفلام الدرامية الأميركية. صحيح انه كان يمتلك جمالا نادرا، إلا أن قوته جعلت أفلامه في تلك الحقبة خالدة في الذاكرة. من المناسب أن تتذكره (بي اف آي) في الشهر الحالي مع موسم من 12 فيلماً تمثل مستقبله المهني.
لم تكن نشأة كليفت تقليدية؛ فقد كان والده مصرفيا متقلب الحظوظ، إلا أن والدته قامت بتربيته مع شقيقته التوأم ايثيل وأخيهما الأكبر بروكس تربية ارستقراطية؛ فكانت تسافر بهم للخارج بواسطة عابرات المحيط وتأتي بالمعلمين الخصوصيين لتدريسهم في البيت.
كان الشاب مونتغمري ينضح بالسحر لكنه كان يعاني من الشك بنفسه ومن إحساس هش بهويته، إلا انه وجد الملاذ في المسرح، وفاز بأول إطراء في برودواي قبل بلوغه الثامنة عشرة، ثم واصل التمثيل في مسرحيات لثورنتون وايلدر (الذي صار صديقا له) وتينيسون وليامز. جاء انتقاله إلى الأفلام علم 1946 عندما شاهده هوارد هاوكز على المسرح وعرض عليه دورا في فيلم (النهر الأحمر) وهو من أفلام الويسترن بطولة جون واين.
كان كليفت ينتقد هوليوود، لكنه في نفس الوقت كان يعاني من الديون، لذلك وافق على لعب دور الابن بالتبني المتعلم الذي يختلف مع مربي الماشية الصارم المتجبر جون واين حول حملة شاقة لقيادة قطعان الماشية. امتد العداء بينهما متكافئا على الشاشة: يصف واين كليفت بأنه "لقيط تافه متعجرف"، في حين كان كليفت يشعر بعدم الارتياح لجو العضلات المفتولة الذي يتبناه واين وهاوكز، إلا أن أداءه جعل منه نجما.
في الوقت الذي أطلق فيه (النهر الأحمر) عام 1948 ، كان كليفت قد لعب دور البطولة في فيلم (البحث)، وهو دراما ما بعد الحرب مثيرة للمشاعر تحكي قصة جي آي الذي يهتم بفتى تشيكي لاجئ حرب في الثامنة من عمره. دون أن يدرك كيف تسير الأمور في هوليوود (أو انه لم يبال بها)، فقد شعر كليفت بالقلق من أن القصة قد أصبحت عاطفية جدا، فأعاد كتابة الحوار بهدف جعلها أكثر واقعية. هذا الفعل أثار غضب منتج الفيلم، إلا ان المخرج فريد زينمان أقر في ما بعد بان بعض تعديلات كليفت قد ساعدت في نجاح القصة. حينها تم ترشيح كليفت لأول اوسكار له . لكنه كان لا يزال يشعر ببرود تجاه هوليوود وأعلن علنا ازدراءه لصناعة السينما واحتقاره لمقترحات وكلاءه في أن عليه أن يتوقف عن بعض الأفلام السريعة من أجل الحفاظ على شعبيته، لكنه بدلا من ذلك استمر على قبول النصوص وهو أمر لم يحظ به أي ممثل آخر في زمانه، ورفض السماح للصحافة بتسريب تفاصيل عن حياته الخاصة. قرر أن يمثل في فيلم (شارع الغروب) للمخرج بيلي وايلدر عام 1950 بدور كاتب السيناريو السمسار جو جيليس مع النجمة غلوريا سوانسون بدور ملكة السينما الصامتة العجوز نورما ديزموند، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة.
في ما بعد اقترح وكيله هيرمان سيترون على كاتبة سيرته باتريشيا بوسورث بان دور جيليس ربما لم يكن مريحا؛ في ذلك الوقت كان الممثل البالغ 30 عاماً يرتبط سريا بالممثلة المغنية ليبي هولمان التي تكبره بستة عشر عاما، علاقة جنسية كانت تعتبر فضيحة في حينها. لكن بعد ذلك صارت حياته الجنسية المتضاربة فضيحة حقيقية، حيث كانت له علاقات جنسية مثلية عديدة، رغم أن شقيقه قال بأنه "التقى فتاتين حاملتين من شقيقه. انه لم يكن على حال واحدة بل كان يتأرجح". وأكدت اليزابيث تايلور – إحدى صديقات كليفت الحميمات – هذه الميول لديه. ومما زاد من تلك المشاكل انه بدأ في عام 1949 بالإكثار من تناول الخمر بعد أن كان لا يقربها في سنوات صعوده للشهرة. مع ذلك ورغم كل هذا، فقد صنع لنفسه مستقبلا مهنيا ناجحا في السينما. بعد تجربة مؤلمة في فيلم (الوريثة) المأخوذ عن قصة هنري جيمس "ساحة واشنطن"، بدأت حظوظه تأخذ منحى آخر نحو الأفضل. شارك إليزابيث تايلور – حينها كانت في الثامنة عشرة – في فيلم (مكان في الشمس) من إخراج جورج ستيفنز والمأخوذ عن رواية تيودور دريزر "مأساة أميركية"، والذي يعتبر حاليا واحدا من أفضل الأفلام في سنوات الخمسينات . في ذلك الفيلم لعب كليفت دور صائد ثروات طموح يحصل على وظيفة في معمل يعود لعمه ، يتواعد مع إحدى العاملات (شيلي ونترز) ويجعلها تحمل منه، لكنه سرعان ما يقع في غرام تايلور الشابة الغنية الجميلة التي تعلو على مستواه الاجتماعي . في البداية كان الاثنان يجتمعان لساعات طويلة ليناقشا أدوارهما، إلا أن ستيفنز كان ينغّص علاقتهما الرومانسية – لاسيما مشهد البحيرة.
أداء كليفت التفصيلي كانسان متناقض، و شخصيته المعذبة كانت تمثل انتصارا آخر، و ترشح هو و ونترز لنيل جائزة الأوسكار. تكرر الأمر في دوره كقسيس متهم بالقتل في فيلم هيتشكوك (إني اعترف) عام 1953 . الا ان دوره البارز لم يأت بعد. كان زينمان – الذي أعجب بكليفت منذ ايام فيلم " البحث " – يريده لدور البطولة في الفيلم الذي طال انتظاره ( من هنا الى الخلود ) – النسخة السينمائية لأكثر كتب جيمس جونز مبيعا و الذي يحكي قصة جنود اميركان يتمركزون في هاواي قبل هجوم بيرل هاربر . كان المقرر ان يلعب كليفت دور روبرت لي بريويت ، مبوّق السرية، الذي يرفض الانضمام الى فريق الملاكمة رغم مهارته على الحلبة . لم يجد اي شيء ، حتى التخويف ، في جعله يغير رأيه. انه ليس دورا بارزا لكنه رئيسي وذو حجم كبير . اعتقد المنتج هاري كوهن بان الفيلم يدور حول الملاكمة، الا ان زينمان كان يعرف انه يدور حول الروح الانسانية . كان كوهن يريد ممثلا آخر يقوم بدور بريويت و كان على وشك توقيع العقد معه. عندما أصر زينمان على مونتغمري كليفت قال كوهن بأنه لم يكن جنديا أو ملاكما و ربما كان مثليا . و كاد كوهن أن ينجح في استبعاد كليفت إلا أن زينمان أصر مهددا بالانسحاب من إخراج الفيلم مما كان يعني خسارة مادية كبيرة . أخيرا رضخ كوهن . يبين زينمان قدرة كليفت على التكيف النفسي مع الدور ، حتى عند مواجهته شخصيات مختلفة عنه ؛ وان أداءه يفسر سبب كونه ممثلا مرموقا. كان لديه مظهر رجولي كلاسيكي أكثر وضوحا من براندو ودين، وكان ذات يوم يعتبر هو و تايلور "أكثر اثنين جمالا في هوليوود"، لكن مع ذلك فان تأثيره على الشاشة يأتي من قوة تمثيله، حيث كان ذكيا في أدائه لدور بريويت الذي جعله مرشحا ثالثا للأوسكار من بين أربعة ممثلين .
صدقه وإخلاصه قاداه الى ان يصبح واحدا من أوائل أعضاء ستوديو الممثلين عام 1947 مع براندو و جولي هاريس و المخرج ايليا كازان . هذه المجموعة كانت تركز على المدخل النفسي للتمثيل . بالنسبة لفيلم (مكان في الشمس) الذي كان يتطلب مشاهد في السجن، فقد أمضى كليفت ليلة في سجن حقيقي. وفي فيلم (رجال غير مناسبين) عام 1961 الذي لعب فيه دور متسابق روديو لا جذور له في هذه اللعبة، أخذ يتعلم ركوب الثور قبل أداء الدور و قد سقط مرارا إلا انه أصر على أن تلك التجربة ساعدته في انتحال الشخصية. رفض كليفت دور البطولة في فيلم (شرقي عدن) الذي ذهب إلى جيمس دين، وبدلا منه شارك تايلور مرة أخرى في فيلم (مقاطعة شجرة المطر) عام 1957 وهو قصة رومانسية في زمن الحرب الأهلية جاءت على اذيال قصة "ذهب مع الريح"، وهو الفيلم الذي غيّر حظوظ كليفت.
لقد صحح كليفت مساره مثل أي شخص آخر، لكنه كان من أجمل الوجوه الرجالية في هوليوود الخمسينات. لكن بعد أن أكمل فيلم "مقاطعة شجرة المطر" تحولت حياته إلى حماقة، فراح يشرب كثيرا حتى الثمالة وصار يعتمد على المسكنات؛ هذه الحال بالإضافة إلى إصابة الغدة الدرقية التي تم تشخيصها بعد وفاته، جعلته تائها يضل طريقه في الأماكن العامة.
في السنوات العشرة الأخيرة من عمره شارك في (رجال غير مناسبين) مع مارلين مونرو، و(فجأة في الصيف الماضي) مع إليزابيث تايلور عام 1959 ، كما لعب دور سيغموند فرويد في فيلم جون هستون (فرويد) عام 1962 . إلا أن صفات التدمير الذاتي جعلت المعنيين بالسينما يبتعدون عنه. عند وفاته فجأة في تموز 1966، ترك وراءه إرثا محيرا – تسع سنوات غير اعتيادية من العمل تلاها عقد من الانهيار. إلا أن تلك السنوات جعلت منه أسطورة سينمائية .
عن: ديلي تلغراف