من اللافت للنظر في برامج التلفزيون خلال شهر رمضان المبارك الفائت هو ذلك الكم الكبير من المسلسلات الدرامية التي أنتجتها الفضائيات العراقية، والتي عرضت خلال ذلك الشهر حيث لم تكن أي قناة عراقية من القنوات الرئيسة إلا وعرضت مسلسلاً درامياً عراقياً فكانت
من اللافت للنظر في برامج التلفزيون خلال شهر رمضان المبارك الفائت هو ذلك الكم الكبير من المسلسلات الدرامية التي أنتجتها الفضائيات العراقية، والتي عرضت خلال ذلك الشهر حيث لم تكن أي قناة عراقية من القنوات الرئيسة إلا وعرضت مسلسلاً درامياً عراقياً فكانت بادرة خير وبركة لا لفناني التلفزيون من مؤلفين ومخرجين وممثلين وحسب بل لفئات كبيرة من المتلقين، ويبدو لي أن تلك القنوات أرادت أن تتنافس في ما بينها لاجتذاب جمهور كبير من المشاهدين ويبدو لي أيضاً أن تلك القنوات أدركت أهمية تقديم المسلسلات الدرامية خلال الشهر المبارك للتخفيف من المتاعب اليومية للمواطن ما حدا بها إلى أن تتنافس ليس في ما بينها وحسب وإنما تتنافس مع القنوات التلفزيونية العربية الأخرى في هذا الخصوص، وقد أفرزت تلك المنافسة نتائج ايجابية يمكن الإشارة إليها كالآتي:
أولاً: وفرت فرصاً أكثر للمثل العراقي بعد أن كانت الفرص محدودة وضيّقة ومتاحة فقط لمن هاجر إلى خارج البلاد وبالذات إلى سوريا.
ثانياً: واضح أن بيئة معظم تلك المسلسلات عراقية وليست بيئة سورية كما كانت في المسلسلات التي أنتجت في الأعوام السابقة وبذلك فقد أعطى المخرجون نكهة محلية لأعمالهم وصفات محلية يمكن تصديقها.
ثالثاً: ظهور عناصر شابة جديدة من الممثلين اثبتوا كفاءتهم ونافسوا الممثلين الذين سبقوهم في المهنة، وهذا ما يبشر بمستقبل زاهر للدراما التلفزيونية العراقية كما وفرت فرصاً أكثر للتقنيين، المصورين والمونتيرية وغيرهم.
رابعا: استطاعت تلك المسلسلات أن تجتذب جمهوراً واسعاً وتبعدهم عن متابعة المسلسلات العربية – المصرية والسورية، والتي كانت تستولي على مشاعرهم وأحاسيسهم.
ولكن يبقى التساؤل قائماً حول عدد من الأمور نذكر منها:
أولاً - هل استطاعت الدراما التلفزيونية في هذه المرحلة أن تصل في مستواها الفكري والتقني والفني والعاطفي إلى ما وصلت إليه مسلسلات آخر القرن الماضي؟ ونذكر منها مسلسلات (النسر) و(عيون المدينة) و(الأماني الضالة) على سبيل المثال.
ثانياً - هل استطاعت الدراما التلفزيونية العراقية في هذه المرحلة أن تجد لها طريقاً للعرض في قنوات غير القنوات التي أنتجتها كما حدث مع الدراما التلفزيونية السورية التي انتشرت ليس في بلادها وإنما في أرجاء الوطن العربي شرقاً وغرباً.
تبقى الإجابة حائرة، ولكن يمكن المسك بها على الوجه الآتي:
سيرتفع المستوى الفني والفكري للدراما التلفزيونية العراقية إذ ما اعتمدت نصوصاً وسيناريوهات رصينة يكتبها كتاب مقتدرون لهم خبرة كافية في هذا المجال، ويمكنها أن تنافس مثيلاتها في الدول العربية إذا ما كانت موضوعاتها أكثر شمولية، واقل محلية كي يتقبلها المشاهد في كل مكان وزمان. وبالمقابل إذا ما كانت موضوعات الدراما ذات خصوصية محلية تثير فضول المشاهد هنا أو هناك ونأخذ مثالاً مسلسل (النخلة والجيران) الذي أنتج قبل سنتين ولكن مستواه الفني لم يكن مرضياً لكثير من المشاهدين ومن هنا نمسك بالإجابة الثانية ألا وهي توفر عددٍ من المخرجين الأكفاء المبتكرين أو المبدعين الذين يعتمدون مخيلتهم ورؤيتها ولا يتكلمون على حرفية المصورين.
وهنا نضرب مثالاً (عما نؤيل رسام) الذي غادر حقل التلفزيون، يجب أن تتوفر لدى المخرج التلفزيوني قدرتان: الأولى الحس الدرامي والمعرفة بتقنيات كتابة الدراما وتقنيات تنفيذها من قبل الممثلين، والثانية الحس السينمائي والمعرفة بتقنيات فن الفيلم وخصوصاً التتابع والربط بين اللقطات والمشاهد والاستمرارية وكيفية استخدام الكاميرا وزوايا الالتقاط ودور العدسات في التحكم بحجم الصورة، كل ذلك يحتاج إلى موهبة ودراسة وخبرة.
نلاحظ أن اغلب مشاهد المسلسلات الدرامية العراقية مسطحة تفتقر إلى الأعماق سواء في تكوين عناصر الصورة التلفزيونية أم في إضاءة المكان وتحقيقها الأبعاد والعمق والأجواء العامة والنفسية.
بقي عامل مهم يسهم في تحسين حالة الدراما التلفزيونية العراقية ألا وهو (الإنتاج) والتقتير في المصروفات الذي يسهم في إضعاف الكثير من النواحي الفنية في العمل ابتداءً من اختيار الممثلين الذين لا يتقاضون أجوراً عالية ومروراً بالخدمات التي يوفرها مدير الإنتاج لكادر العمل وانتهاءً باختزال المتطلبات أو إيجاد البدائل السهلة وغير المكلفة، ويضاف إلى ذلك اختصار زمن الإنتاج والإسراع في التنفيذ حتى يتم تقليل تكاليف العمل.
مع كل ذلك فاعتقد أنه إذا استمرت القنوات الفضائية العراقية بإنتاج دراما تلفزيونية وبشكل واسع مع الأخذ بمتطلبات التحسين فإن هذا التحسين سيتحقق في المستقبل، وهنا أُضيفُ شرطين لذلك: الأول أداء الممثلين ومدى ابتعاده عن التكلف والمبالغة والتصنع والعمل على تبني الأدوار أو الشخصيات التي يكلفون بتمثيلها، وأن لا يبدو عليهم - على الممثلين - أنهم يمثلون بل يعيشون الدور. الثاني الصدقية في سرد الأحداث وتجسيدها وفي اختيار وتكييف أماكن حدوثها، حيث لاحظت أن مثل هذه الصدقية تغيب في كثير من الأحيان، وخصوصاً في المسلسلات التي تقتبس من الماضي، وهنا اضرب مثلاً لهذا الشرط في مسلسل (سليمة مراد) حيث لم يكن المخرج دقيقاً في تحقيق البيئات المناسبة للأحداث وكان عليه أن يستفيد من آراء من عاشوا مرحلة المطربة سليمة، قد يرد المخرج الواعد بأن الإبداع الفني لا يشترط الدقة التاريخية على الدوام وأرد عليه أنا بدوري أن عامل الإقناع – إقناع المتلقي أمر مهم في الدراما وفي الدراما السينمائية أو التلفزيونية على وجه الخصوص.