حتى لو كانت النيّة وراء المبادرة التي أطلقها رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب الإبقاء على نظام حكم بشار الأسد أو جزء منه، فأن هذا النظام ذاته لن يسمح للخطيب في تحقيق مبتغاه.
نظام حكم من النمط الذي يقوده بشار الأسد وحزب البعث لا يقبل بأقل من الاستئثار بالسلطة كاملة غير منقوصة. انه يخشى إفلات جزء ولو صغير من هذه السلطة لأنه يتصور أن الأجزاء الأخرى ستتداعى الواحد بعد الآخر وسيخسر هو كل شيء. وحتى لو اضطر هذا النظام الى التنازل في ظرف تاريخي كالذي يواجهه بشار الأسد الآن فما يلبث، حالما يتمكن، أن يسعى بكل السبل لاستعادة كامل سلطته وفرض هيمنته المطلقة من جديد.
في التاريخ القريب ثمة أنموذج صارخ. فمنذ أن دخل صدام حسين في مأزق الحرب الطويلة العبثية مع إيران (1980 – 1988) اعتقد بعض معارضيه الذين فروا إلى الخارج هرباً من بطشه، انه أصبح في الإمكان إقناع الدكتاتور المهزوم بترتيب البيت العراقي الداخلي بما يسمح للمعارضة بأن تكون لها حصة في الحكم. صدام الذي لابد انه كان يضحك في سره من سذاجة أولئك المعارضين أعطى إشارات مغرية بعض الشيء. لكن جهود أولئك المعارضين لم تصل إلى أي نتيجة، فقد كان صدام يرفض تماماً أي تنازل ولو جزئي من سلطته حتى لصالح قياديين في حزبه. ولقد أعدم العديد من رفاقه المقربين لأنه رأى أنهم هددوا أو قد يهددون تفرّده في الحكم.
وحالما وافقت ايران على وقف الحرب لم يعد صدام في وارد المبالاة بجهود المعارضين السذج. لكن الأمر تكرر مجدداً بقوة أكبر بعد الفشل في غزو الكويت، فقد حمي وطيس الترويج لإقامة حكومة وطنية في بغداد تتمثل فيها المعارضة. وحتى بدء التوغل العسكري الاميركي في العراق في آذار 2003 لم يشأ صدام أن يتنازل للمعارضين حتى عن وزارة دولة على رغم ان المعارضين السذج كانوا قد أدمنوا زيارة بغداد والإقامة في فنادقها ذات الخمسة نجوم المحاطة بشعب يشحذ مع انه يعيش فوق أكبر احتياطي للنفط في العالم.
لن يقبل بشار الأسد بأن يتنحى عن السلطة حتى لو كانت ستذهب إلى نائبه فاروق الشرع أو سواه من أركان النظام. فالمشكلة بالنسبة لبشار هي انه ماذا سيفعل بعدما يتنحى؟ وأين سيذهب؟ وما سيكون مصيره؟. وهذه المشكلة هي نفسها التي واجهها صدام الذي فضّل أن يحل الخراب بالعراق على أن يتنازل عن السلطة أو جزء منها.
السيد احمد معاذ الخطيب إنما يمثل دوراً على خشبة المسرح بنص مجلوب من خارج النص. انه يشوش على العرض ويمدد وقته قليلاً قبل بلوغ المشهد الأخير من المأساة السورية ختامه.