دأب العديد من المنظمات الدولية على إعداد تقارير سنوية ترصد التطورات في الاسواق النفطية على المديين المتوسط والبعيد ما يمكن صناع القرار من وضع السياسات الملائمة لمواجهتها.ولعل من أبرز هذه التقارير، التقرير السنوي لمنظمة الأقطار المصدرة للبترول (اوبك)
دأب العديد من المنظمات الدولية على إعداد تقارير سنوية ترصد التطورات في الاسواق النفطية على المديين المتوسط والبعيد ما يمكن صناع القرار من وضع السياسات الملائمة لمواجهتها.ولعل من أبرز هذه التقارير، التقرير السنوي لمنظمة الأقطار المصدرة للبترول (اوبك) الموسوم (آفاق النفط في العالم 2012 World Oil Outlook ) الذي صدر مطلع تشرين الثاني الماضي.
ويكتسب التقرير أهميته كونه يرصد التطورات المستقبلية للوقود الاحفوري (النفط الخام والغاز الطبيعي والفحم الحجري) بالإضافة إلى المنافسة المحتملة للوقود الصخري نظراً للتطورات التكنولوجية، وأثر ذلك على العرض والطلب العالميين، ضمن إطار زمني يصل حتى عام 2035.وأوبك التي ولدت في بغداد عام 1960 وتتخذ من العاصمة النمساوية فيينا مقراً لها، تضم في عضويتها اليوم 12 دولة هي: الجزائر وأنغولا وأكوادور وإيران والعراق والكويت وليبيا ونيجيريا وقطر والسعودية والامارات العربية المتحدة وفنزويلا.
وتسعى المنظمة لتحقيق:
تنسيق وتوحيد السياسات البترولية للأقطار الاعضاء لضمان عوائد مستدامة للدول المنتجة.
توفير إمدادات منتظمة من البترول للدول المستهلكة.
تحقيق مردود مقبول لرأس المال المستثمر في الصناعات البترولية.
الدفاع عن نطاق سعري يلبي تطلعات كل من المنتجين والمستهلكين على حد سواء من خلال حصص الانتاج التي تحددها المنظمة لأقطارها الاعضاء. وتتراوح سلة خامات الاوبك في الوقت الحاضر بين 100 إلى 110 دولاراً للبرميل (كما موضح في الشكل ادناه)
--شاهد صفحة15 pdf
وتضم السلة الخامات: العربي الخفيف السعودي ومزيج الصحراء الجزائري والبصرة الخفيف العراقي والسدرة الليبي وموربان الاماراتي وقطر البحري والخام الكويتي والايراني الثقيل وخام أوريانتي الاكوادوري وبوني الخفيف النيجيري وبي سي أف 17 الفنزويلي الذي أستبدل بالخام Merey بدءاً من كانون الثاني 2009 وخام غيراسول الأنغولي.
أولاً: احداث 2012
كان لاستمرار الاضطرابات الجيوسياسية والمضاربة في أسواق النفط وهشاشة النظام المالي المصرفي والنمو المتواضع في الاقتصاد برغم الدعم النقدي له، ناهيك عن معدلات البطالة المرتفعة والاضطرابات الاجتماعية التي شهدها عدد من الدول، كل ذلك جعل من 2012 عاما مليئا بالتحدي لكل من المنتجين والمستهلكين.ولعل ما يميز 2012 عن سوابقه هو توقف الامدادات لفترة طويلة من كل من جنوب السودان وسوريا واليمن، ما أعاد إلى الواجهة من جديد قضية أمن الامدادات، بالاضافة إلى العوامل الجيوسياسية التي خبرتها دول عدة في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا كان لها الدور الرئيس في التقلبات الحادة في أسعار النفط الخام، فاقم منها، إغلاق العديد من مصافي التكرير بالاضافة إلى الاختناقات في الصناعات النفطية اللاحقة.
ثانياً: النفط والنمو السكاني والاقتصادي
تعد التغيرات الديموغرافية (السكانية) عاملا مهما في تحفيز النمو الاقتصادي من ناحية بالاضافة إلى أثره على الطلب على الطاقة، وبحسب التقرير سيرتفع سكان العالم من مستواه الحالي البالغ 6.9 مليار نسمة في عام 2010 ليصل إلى 8.6 مليار نسمة بحلول عام 2035. وستتركز جل الزيادة السكانية في الاقتصادات النامية التي ستستأثر بأكثر من 92% من حجم الزيادة، وبحلول عام 2022 سيتجاوز سكان الهند سكان الصين لتصبح بذلك الدولة الأولى في العالم من حيث حجم السكان.
أما النمو في الناتج المحلي الاجمالي العالمي(GDP) وفقاً للمسار الديموغرافي أعلاه بالاضافة إلى التحسينات في معامل الانتاجية يصل إلى 3.4% سنوياً للفترة الممتدة من عام 2012 – 2035. وبحلول 2035 فإن حجم الاقتصاد الصيني الذي سيتبوأ المركز الأول ، بل سيتجاوز أقاليم برمتها داخل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أمريكا أوروبا، أما الهند التي تستأثر بـ 5% من الناتج المحلي الاجمالي العالمي – في عام 2010 – فسترتفع نسبتها لتصل إلى 11% بحلول عام 2035، أما حصة الاقتصادات الناشئة في آسيا فستصل إلى 43% بحلول 2035 مقابل 26% عام 2010.
إلى ذلك تفترض الدراسة إلى إستمرار سياسات الطاقة القائمة بما في ذلك السياسة التي ينتهجها الاتحاد الاوروبي في تحقيق غايته من الطاقة المتجددة، اذ تخطط لتوليد 20% من طاقتها الكهربائية اعتماداً على طاقة الرياح بحلول عام 2020.
الطلب على الطاقة في المديين المتوسط والطويل
بعد الأخذ بنظر الحسبان الاسقاطات المتوقعة لكل من النمو السكاني و النمو في الناتج المحلي الاجمالي المشار إليه أعلاه من دون إغفال الاشارة إلى سعر سلة أوبك المستقبلي والذي سيستمر في المدى المتوسط في حدود 100 دولار للبرميل (الاسعار الاسمية) ليرتفع إلى نحو 120 دولاراً للبرميل عام 2025 وليصل إلى 155 دولاراً للبرميل بحلول عام 2035. وقد بنيت هذه التوقعات للأسعار بناءً على الكلفة الحدية marginal cost لإنتاج برميل من النفط بالاضافة إلى آثر الاستنزاف في عديد من المكامن النفطية وزيادة الامدادات من مناطق نائية يصعب الوصول إليها، من دون إغفال آثر الضوابط البيئية الصارمة على تكاليف الانتاج.
ووفقاً لهذه المرئيات فإن الطلب على الطاقة الأولية Energy Primary خلال الفترة 2010 – 2035 سيرتفع بمقدار، 54% وسيستأثر الوقود الاحفوري Fossil Fuel نسبة 82% من الطاقة المستهلكة عالمياً بحلول عام 2035 مقارنة بنحو 87% في الوقت الحاضر، في حين سترتفع نسبة استهلاك الغاز إلى من 23%.
ان هيمنة الوقود الاحفوري (كما هو موضح في الجدول) برغم المحاولات الجادة لإحلال الطاقات البديلة والمتجددة Renewable Energy كطاقة الرياح والطاقة الشمسية لانتاج الطاقة الكهربائية، بالاضافة إلى الطاقة النووية التي شهدت عزوفاً في عدد من الدول الاوروبية، لاسيما في ألمانيا بعد حادثة المفاعل النووي في مدينة فوكوشيما اليابانية، العام الماضي، هذه الهيمنة لا تخطئها العين إذ تتوزع نسبة الوقود الاحفوري مقارنة بالطاقات الاخرى، بحلول عام 2035 على النحو التالي:
النفط 27.2%
الفحم 28.6%
الغاز الطبيعي 26.0%
الطاقة النووية 6.0%
الطاقة الكهرومائية 2.9%
الكتلة الحيوية 5.4%
طاقات بديلة أخرى 3.9%
(إمدادات الطاقة الأولية في العالم حسب المصدر)
|
مليون برميل مكافئ نفط |
الحصة (%) |
||||
|
2010 |
2020 |
2035 |
2010 |
2020 |
2035 |
النفط |
81 |
89.7 |
97.8 |
34.7 |
32.1 |
27.2 |
الفحم |
68.8 |
84.3 |
102.9 |
29.5 |
30.1 |
28.6 |
الغاز |
53.1 |
66.5 |
94.8 |
22.8 |
23.8 |
26.0 |
الطاقة النووية |
14.3 |
16.0 |
21.6 |
6.1 |
5.7 |
6.0 |
الكهرومائية |
5.8 |
7.4 |
10.4 |
2.5 |
2.6 |
2.9 |
الكتلة الجوية |
8.5 |
12.0 |
19.3 |
3.7 |
4.3 |
5.4 |
طاقات بديلة آخرى |
1.8 |
3.8 |
12.5 |
0.8 |
1.4 |
3.5 |
ثالثاً: التطورات في إنتاج الغاز الصخري
لم يغفل التقرير التطرق إلى الغاز والنفط الصخريين Shale Oil & Shale Gas الذي يستأثر بإهتمام بالغ لدى العديد من المراقبين، لما يحمل في طياته من تداعيات جيوسياسية في غاية الأهمية، لاسيما للدول النفطية الشرق الاوسطية والتي تتوجس من أن يؤدي ذلك إلى تقليل درجة إعتماد الدول الغربية لاسيما الولايات المتحدة على نفوط الدول الخليجية ما قد يفضي إلى تراجع دورها في المنطقة.
بيد أن الغاز الصخري الذي سيحل محل الفحم الحجري في توليد الطاقة الكهربائية، بالاضافة إلى دوره كلقيم Feedstock في الصناعة البتروكيماوية، ما زال في طور النمو، بل أن انتاجها ينحصر حالياً في أمريكا الشمالية (وبالذات الولايات المتحدة). والتي شهدت إرتفاعا مضطرداً في إنتاجها من 15 مليار قدم مكعبة يومياً عام 2010 إلى نحو 25 مليار قدم مكعبة عام 2012، إلا ان تكرار نجاح هذه الصناعة على الصعيد العالمي يواجه صعوبات جمة، إذ يستوجب ذلك معالجة شح المياه (إذ يتطلب إنتاج الغاز الصخري ضخ كميات كبيرة من المياه في مسامات الصخور الحجرية) وغياب البنية التحتية اللازمة.
النفط الصخري إضافة جديدة للإمدادات
لعل التطورات في انتاج النفط الصخري لاسيما في الولايات المتحدة ستضيف للإمدادات النفطية بل هناك من يشير إلى أن الولايات المتحدة ستشهد في غضون العقد القادم نمو انتاجها النفطي بما يزاحم الانتاج النفطي السعودي. إن تحول الولايات المتحدة إلى دولة مكتفية ذاتياً في إنتاج كل من النفط والغاز بحلول عام 2025 سيترك بصماته الواضحة إذ يعده البعض إيذاناً بولادة خارطة جديدة للطاقة (وهو ما سنشير إليه بالتفصيل في دراسة قادمة).
وبالرغم من الصعوبات التي تكتنف إنتاج النفط الصخري فإن التقانة المتطورة كفيلة بتذليل الكثير من العقبات، ويصل إنتاج الولايات المتحدة حالياً من النفط الصخري إلى نحو مليون برميل يومياً وهو مرشح للإرتفاع ليصل إلى مليوني برميل يومياً بحلول عام 2020 وإلى 3 ملايين برميل يومياً بحلول 2035، أو ما يعادل ضعف واردات الولايات المتحدة من النفط الخام من دول الخليج.
إلى ذلك فإن العالم لازال يتمتع بقدر كاف من الامدادات لمواجهة الاستهلاك العالمي ولعقود عديدة قادمة، بخلاف ما يروج له أنصار ما يعرف في أدبيات الطاقة بنظرية ذروة النفط Peak Oil Theory ومفادها أن الاحتياطيات النفطية بلغت ذروتها وهي آخذة بالتراجع لغياب الاكتشافات في الحقول النفطية العملاقة التي تزيد أحتياطياتها على 5 مليارات برميل (والتي تم اكتشاف معظمها في خمسينيات القرن الماضي كحقل غوار في السعودية وحقل برقان الكبير في الكويت)، وبالتالي فإن النفط مرشح للنضوب خلال العقدين القادمين، إلا أن المشاهدات التاريخية ترسم صورة مغايرة تماماً، وبهذا الصدد فإن الاحتياطيات النفطية التي يمكن "أستحصالها" recoverable oil وفقاً للمسح الجيولوجي لجمعية الجيولوجيين الأمريكية، تقترب من 4 مليارات برميل (ويشمل ذلك النفط الخام غير التقليدي كالنفط الثقيل والسجيل النفطي (Tar Oil). وكان للتطورات التكنولوجية دور كبير في هذه الزيادة لاسيما ما تحقق من تقدم كبير في التنقيب في المياه العميقة.
رابعاً: الطلب العالمي على النفط في المدى المتوسط والطويل
بالرغم من الركود الاقتصادي الذي خيم على العالم في السنوات القليلة المنصرمة الا أن الاستهلاك واصل نموه مدفوعاً بالزيادة السكانية من ناحية وبدء خروج العالم من الانكماش الذي لم يشهد له مثيلاً منذ أزمة الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن الماضي. ووفقاً للتقرير فإن الطلب العالمي على النفط سيزداد بنحو 20 مليون برميل يومياً خلال الفترة (2010 – 2035) ليصل إلى 107.3 مليون برميل في نهاية عام 2035، كما هو موضح في الجدول أعلاه.الطلب العالمي على النفط (2010 – 2035) مليون برميل يومياً
|
2010 |
2020 |
2035 |
OECD(منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية) |
46.8 |
45.2 |
41.1 |
الدول النامية |
35.4 |
46.3 |
60.6 |
الشرق الاوسط وشمال أفريقيا |
3.3 |
4.1 |
5.1 |
الهند |
3.3 |
4.9 |
9.0 |
الصين |
9.0 |
13.2 |
17.6 |
أوبك |
8.1 |
9.8 |
12.0 |
روسيا الاتحادية (الجمهوريات السوفيتية السابقة) |
4.8 |
5.4 |
5.6 |
العالم |
87.0 |
96.9 |
107.3 |
أما على الصعيد القطاعي فسيبقى قطاع النقل بأشكاله المتنوعة (البري والجوي والبحري) المستهلك الرئيس للنفط في العالم (الغازولين والديزل) لا سيما في ظل عدم وجود بديل اقتصادي حتى الآن لمحرك الاحتراق الداخلي للسيارات Internal Combustion Engine بالرغم من إنتاج ما يعرف بالسيارات الهجينة Hybrid والسيارات الكهربائية plug-in إلا أنها لا تمثل سوى حصة بسيطة من سوق المركبات في العالم. ان الزيادة الكبيرة في اقتناء السيارات الفارهة وبالذات في الصين والهند والذي يتناغم مع النمو الاقتصادي وزيادة متوسط الدخول في البلدين، مع ولادة طبقة في غاية الثراء تلهث وراء السيارات الفخمة والتي يزيد سعر بعضها على 200 ألف دولار أمريكي، علماً ان متوسط عدد السيارات لكل 1000 شخص في كل من الصين والهند، لازال متدنياً اذ لم تزد على 22 سيارة لكل ألف نسمة و11 سيارة لكل 1000 نسمة على التوالي، مقارنة بأكثر من 700 سيارة لكل ألف نسمة في الولايات المتحدة الأمريكية، كما هو موضح في الجدول أدناه.
توزيع المركبات والسيارات الخاصة جغرافياً في نهاية 2009
|
عدد السكان (مليون) |
المركبات (مليون) |
السيارات (مليون) |
عدد السيارات لكل ألف نسمة |
الولايات المتحدة الأمريكية |
308.7 |
247.3 |
222.2 |
719.8 |
أوروبا الغربية |
540.9 |
276.1 |
238.9 |
441.7 |
فرنسا |
61.7 |
37.1 |
30.7 |
497.5 |
ألمانيا |
82.3 |
51.3 |
46.6 |
565.6 |
إيطاليا |
59.3 |
40.2 |
35.7 |
601.6 |
الشرق الأوسط وأفريقيا |
803.8 |
33.3 |
21.9 |
27.2 |
الهند |
1,164.7 |
18.6 |
12.7 |
10.9 |
الصين |
1,328.8 |
42.5 |
29.6 |
22.3 |
الأوبك |
377.6 |
35.7 |
24.3 |
58.0 |
العالم |
6.658.5 |
1,003.0 |
823.0 |
123.6 |
خامساً: الطريق إلى الأمام
يخلص التقرير إلى أن تعاظم التهديدات الجيوسياسية في العالم سيجعل من الحوار بين الدول المنتجة والدول المستهلكة على قدر كبير من الأهمية إذا ما أريد المحافظة على استقرار الأسواق وتعزيز النمو الاقتصادي العالمي المستدام . وقد شهدت السنوات القليلة الماضية العديد من الحوارات بين أوبك ووكالة الطاقة الدولية لتقريب وجهات النظر بما يخدم المصالح المشتركة لجميع الفرقاء المعنيين، وجاء الاعلان عن إنشاء منتدى الطاقة العالمي عام 2005 والذي اتخذ من العاصمة السعودية مقراً له نموذجاً يحتذى لآفاق التعاون الممكنة بين المستهلكين والمنتجين والمستثمرين والشركات النفطية بشقيها المحلي والاجنبي.
مستشار طاقة عراقي لدى المركز البحريني لدراسات الطاقة