TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عزرائيل

عزرائيل

نشر في: 8 فبراير, 2013: 08:00 م

الموت حدث كباقي الأحداث، فلماذا نعامله معاملة خاصة؟ لماذا لا نتعامل معه إدراكياً كما نتعامل مع الأكل والشرب والنوم؟ هذا السؤال طرحته ليل يوم الخميس 7-2-2013 على أصدقاء في مجموعة نريد أن نعرف على الفيس بوك. وجاء النقاش ليقلب جوانب الموضوع تقليباً جميلاً. لكننا توقفنا عند نقطة هي الأهم، تلك التي تقول بأن الموت يَكْسِب رداءه الأسود من الوعي البشري، فوعي الإنسان هو الذي يميز بين موته هو، وموت بقية الحيوانات، ومن ثم فهو الذي يُكسب موتنا معنى مختلفاً، فيحيطه بالقدسية وينثر حوله الكثير من طقوس العبادة. وربما لو كان للحيوانات وعي كالذي عندنا لفعلت ما نفعله. أي لشاهدنا في الغابات ارتالاً من الحيوانات وهي تُشَيّع ميتاً من أمواتها، ثم تصطف حوله وتتلوا شعائرها كما نفعل، وبعد ذلك تحفر له حفرة عليها شاهد يرمز لأهميته، أو تبني له محرقة. ثم في النهاية تولم وليمتها وتأكل الطعام على روحه وتتركه بعد ذلك نهباً للطفيليات.
عزرائيل؛ الملاك الموكل بقبض الأرواح، هو رمز الموت الذي طاف ويطوف على جميع الثقافات تقريباً، يحمل أسلحة قتل مختلفة، ويتسمى بأسماء يجمع بينها إثارتها للخوف. لكنه واحد في كل الثقافات من حيث أهم الدالات فيه، وهي دلالته على المجهول، لذلك يرتدي السواد في أغلب الثقافات، أو يرتدي اللون الذي يرمز للحزن والمجهول. فالموت هو المجهول الأبشع.
بعض الثقافات تثأر من الموت، تقتله بصبر وتشفي، تستمتع بنهايته من خلال سردها لمشهد يقضي فيه الموت على جميع المخلوقات ما خلا الله، وعند ذلك يأمره الخالق بأن يُميت نفسه، ويستل روحه من جسده، وهنا يواجه هذا الملاك امتحانه الأصعب، ويذوق أبشع أنواع المرارات التي أذاق البشر طعمها، فأقسى حالات الموت، هي التي يضطر فيها الميت لقتل نفسك بصبر.
لكنَّ مشهد التشفي هذا يكشف عن دلالة مهمة، وهي دلالة بقاء الموت مع الله. فقبل اللحظة التي يُميتُ الموت فيها نفسه، لا يبقى مع الله ألا هو، وهي دلالة على ديمومة ما بعدها ديمومة، لكنَّ هذه الدلالة تؤكد، من طرف خفي، بأن المجهول هو المنتصر أخيراً، فرمز المجهول يقضي، في الحكاية، على جميع المعلومين ليبقى وحيداً مع (المجهول أو اللامعلوم) أي المطلق.. وهذا ما يجعلني حائراً ازاء الدلالة التي يريد المشهد أن يحكي عنها، فلماذا لا يبقى من البشر في نهاية المطاف إلا جهلهم يقف وجها لوجه أمام المطلق؟ على كل حال يُميت الموت نفسه أخيراً، تاركاً سيد الغيب ينادي وحده: لمن الملك اليوم؟ ومن حيث لا يزاحمه مجيب في وحدته، يقرر أن يبعث جميع الموتى من قبورهم، ليبشرهم بعالم خال من عزرائيل، محققاً لهم أمنيتهم الأصعب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. ali

    صباح الخير/لقد اضعت وقتنا بمقالك السوداوي وحرقت علينا اليوم بأكمله بالتحدث عن سخافة اسمها عزرائيل/لو تحدث عن النهب والتخلف الذي نعيشه لكان اجدى/مع فائق الاحترام

  2. حيدر ستار عبد

    الاخ العزيز علي ليس دفاعا عن الاستاذ سعدون ولكن اي نهب تتكلم عنه هل هو نهب اموال الفقراء من قبل الذين يخيفونهم بعزرائيل او الله هل نهب العقول واستغفالها لتكون خاضعة لهم ولمصالحهم باسم الله وتخويفهم بان عزرائيل سقبض ارواحهم بقساوة الم يطيعوا الله والي الام

  3. Mona

    اكتب ما يجول في ذهنك ولا تأبه لطلبات المشاهدين عفواً القارئين ، دع قلمك يصول ويجول براحته يسطر ما تفكر به ، تحياتي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram