في ظل حكم الإخوان المسلمين لمصر، وإصرارهم على الاستئثار بالسلطة بكل مواقعها ومفاصلها، مع وجود معارضة شعبية واسعة وفاعلة لهذا التوجه، لم يكن غريباً أن يتبرع داعية، يعمل مدرساً في جامعة الأزهر، بإصدار فتوى تجيز قتل رموز المعارضة لحكم الإخوان، ووصل الأمر حد تسمية محمد البرادعي وحمدين الصباحي كأول مرشحين للقتل، وبعدهما يأتي دور ﻗﺎﺩﺓ ﺟﺑﻬﺔ ﺍﻹﻧﻘﺎﺫ ﺍﻟﻣﻌﺎﺭﺿﺔ، ولم يكن مقنعاً موقف رئاسة الجمهورية، التي اكتفت بإصدار بيان أكدت فيه ﺭﻓﺿﻬﺎ ﺍﻟﻛﺎﻣﻝ ﻟﺧﻁﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﻛﺭﺍﻫﻳﺔ ﺍﻟﺗﻲ ﺗﺗﻣﺳﺢ ﺑﺎﻟﺩﻳﻥ، وﺃﻫﺎﺑﺕ ﺑﺟﻣﻳﻊ ﺍﻟﻘﻭﻯ ﺃﻥ ﺗﻘﻑ ﺻﻔﺎً ﻭﺍﺣﺩﺍً ﻣﺗﻣﺎﺳﻛﺎً، ﻟﻣﻭﺍﺟﻬﺔ ﺗﻠﻙ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﺗﺣﺭﻳﺿﻳﺔ، وشدّدت أن ﺍﻟﺣﻭﺍﺭ ﻭﺣﺩﻩ ﻫﻭ ﺍﻟﺳﺑﻳﻝ ﺍﻟﻭﺣﻳﺩ ﻻﺳﺗﻛﻣﺎﻝ ﻣﻛﺗﺳﺑﺎت الثورة، ﻭﺗﺣﻘﻳﻕ ﺍﻟﻭﺋﺎﻡ ﺑﻳﻥ ﻛﻝ ﺍﻟﻣﺻﺭﻳﻳﻥ ﺑﻼ ﺗﻣﻳﻳﺯ ﺃﻭ ﺗﻔﺭﻗﺔ.
المفتي السلفي كان قد شدد على ﺣﻕ ﺍﻟﺣﺎﻛﻡ ﻓﻲ ﻗﺗﻝ ﺭﻣﻭﺯ ﺍﻟﻣﻌﺎﺭﺿﺔ، ﻭزعم أﻥ ﺟﺑﻬﺔ ﺍﻹﻧﻘﺎﺫ ﺗﺣﺭﻕ ﻣﺻﺭ، ﻭﻗﻳﺎﺩﺍﺗﻬﺎ ﺗﺑﺣﺙ ﻋﻥ ﻛﺭﺳﻲ ﺍﻟﺭﺋﺎﺳﺔ، ﻭﺇﻥ ﺣﻛﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﺭﻳﻌﺔ اﷲ ﻫﻭ ﺍﻟﻘﺗﻝ، لكنه وبعد الضجة التي أثارها برعونته واستخفافه، عاد للقول إن ﻓﺗﻭﺍﻩ ﻭﺍﺳﺗﺷﻬﺎﺩﻩ ﺑالأﺣﺎﺩﻳﺙ ﻛﺎﻧﺎ ﻟﻠﺗﺧﻭﻳﻑ ﻭﺍﻟﺗﺭﻫﻳﺏ، وأن هيئة ﻛﺑﺎﺭ ﺍﻟﻌﻠﻣﺎء، ﻭﻣﺟﻠﺱ ﺷﻭﺭﻯ ﺍﻟﻌﻠﻣﺎء، ﻫﻡ ﻓﻘﻁ ﻣﻥ ﻳﺣﺩﺩﻭﻥ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺣﺩﻳﺙ ﺍﻟنبوي ﻳﻧﻁﺑﻕ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺩﺓ الجبهة، ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻧﻁﺑﻕ ﻋﻠﻳﻬﻡ ﻭﺟﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺣﺎﻛﻡ ﻭﺍﻟﻘﺿﺎء ﺃﻥ ﻳﻘﺿﻭﺍ ﺑﻘﺗﻠﻬﻡ، وهو هنا لا يتراجع عن فتواه، بقدر ما يؤكدها ويطالب بقوننتها، كل ذلك فيما وزارة الداخلية تكثف ﺩﻭﺭﻳﺎتها ﺍﻷﻣﻧﻳﺔ ﺑﻣﺣﻳﻁ ﻣﻧﺯﻟﻲ ﺍﻟﺑﺭﺍﺩﻋﻲ ﻭﺻﺑﺎﺣﻲ، ويكتفي ﺭﺋﻳﺱ ﺍﻟﻭﺯﺭﺍء بالإعلان أن المجلس الإخواني الذي يرأسه، ﺑﺻﺩﺩ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻹﺟﺭﺍءﺍﺕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻭﻧﻳﺔ، ﺍﻟﺗﻲ ﻳﻣﻛﻥ ﺍﺗﺧﺎﺫﻫﺎ ﺿﺩ ﻛﻝ ﻣَﻥ ﻳﺻﺩﺭ، ﺃﻭ ﻳﺭﻭِّﺝ ﻟﺩﻋﺎﻭﻯ ﺃﻭ ﻓﺗﺎﻭﻯ ﺗﺣﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻧﻑ.
تزامنت الفتوى الفجّة، مع اغتيال المعارض التونسي اليساري رشيد بلعيد، على يد "مجهولين معروفين"، ما أثار المخاوف من تكرار السيناريو نفسه في مصر، خصوصاً وأن المصريين يعدون ما يجري في تونس مؤشراً على ما سيجري عندهم، ويستذكرون بأن انطلاقة الربيع العربي انتقلت إليهم من تونس، وأنهم نجحوا في إطاحة مبارك بعد أن سبقهم التوانسة بإطاحتهم بن علي، ويتكرر الأمر في الانتخابات التي أوصلت الإسلام السياسي إلى الحكم، مع عدم الاختلاف في الأداء بين الحكام الجدد في كلا البلدين، ويدفع ذلك إلى السؤال متى تبدأ في مصر مرحلة الاغتيالات السياسية؟ فجريمة اغتيال بلعيد مثلت بالنسبة للمصريين صدمة هائلة، فالخطوات الأولى كانت تبدأ في تونس، لتنتقل بعدها إلى بلدهم، مع وجود أصوات حاقدة، قادرة على إصدار الفتاوى من دون امتلاكها المقومات اللازمة لذلك.
عملية القتل المنظم والتصفية الجسدية لمعارضي حكم الإخوان في مصر، تحولت مؤخراً كما ينبغي التأكيد إلى ظاهرة، صحيح أن عمليات القتل ترتبط بتواجد الضحايا ضمن جموع المتظاهرين، الذين يصطدمون مع قوات الأمن، لكن الخوف اليوم أن يتم استهداف المعارضين، بعمليات قتل وإرهاب منظم، يستند إلى الفتوى بهدر دمهم، خصوصاً وأن حدة الاحتجاجات تتصاعد، فيما تتباعد المسافات بين الرئيس الإخواني وجماعته، وبين المعارضين جميعاً باختلاف أطيافهم السياسية، وتزداد وتيرة العنف مع زيادة عناد السلطة، وانسداد أفق الحلول السياسية، واعتماد الإخوان الحلول الأمنية، بديلاً عن الحوار الجاد للخروج بمصر من عنق الزجاجة.
ﺍﻟﻔﺗﻭﻯ التي لم تقم السلطات بما يجب ضد مطلقها، ﺗﺷﻛﻝ ﺟﻧﺎﻳﺔ ﻳﻌﺎﻗﺏ ﻋﻠﻳﻬﺎ اﻟﻘﺎﻧﻭﻥ، والأزهر وإن كان ﻣﺟﻣﻊ ﺍﻟﺑﺣﻭﺙ ﺍﻹﺳﻼﻣﻳﺔ ﺍﻟﺗﺎﺑﻊ له أصدر ﺑﻳﺎﻧﺎً ﺣﻭﻝ ﺍﻟﺗﺣﺭﻳﺽ ﻋﻠﻰ ﻗﺗﻝ ﺍﻟﻣﻌﺎﺭﺿﻳﻥ ﻟﻠﺣﻛﺎﻡ، ﺣﻳﺙ ﺃﻛﺩ ﺭﻓﺽ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻔﻬﻡ ﺍﻟﺧﺎﻁﺊ، ﻭﺍﺳﺗﻌﻣﺎﻝ ﺍﻟﻧﺻﻭﺹ ﻓﻲ ﻏﻳﺭ ﻣﻭﺍﺿﻌﻬﺎ، ﻭﻓﻬﻣﻬﺎ ﻓﻬﻣﺎً ﻏﻳﺭ ﺻﺣﻳﺢ، ﻭﻧﺑـَّﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻣﺛﻝ ﻫﺫﻩ ﺍﻵﺭﺍء ﺗﻔﺗﺢ ﺃﺑﻭﺍﺏ ﺍﻟﻔﺗﻧﺔ ﻭﻓﻭﺿﻰ ﺍﻟﻘﺗﻝ ﻭﺍﻟﺩﻣﺎء، لكنه لم يصدر عقوبةً ضد مطلق الفتوى مع أنه ينتمي للأزهر، مدرساً لمادة البلاغة، فأية بلاغة يعلمها لطلاب العلم؟
فتاوى الفتنة.. مَن يمنعها؟
[post-views]
نشر في: 9 فبراير, 2013: 08:00 م