في البدء لا بد من الإشارة هنا إلى أن ورود مفردة مشهد لا تعني الإيحاء او التلميح لمدينة إيرانية تعرف بهذا الاسم ، والمقصود هو المشهد الشعري العراقي الحالي ، والشاعر عارف الساعدي مع عشرات من زملائه أعلنوا أسفهم لإصابة مشهدهم بأمراض وعاهات انتقلت إليه من الوضع السياسي الراهن.
موقف الشاعر الساعدي وزملائه ترجموه إلى مقاطعة المشاركة في المهرجانات، والابتعاد عن المنصة واقتصار نشاطهم على كتابة قصائدهم وتداولها في نطاق محدود وعلى شبكة التواصل الاجتماعي ، لحين تطهير الساحة الشعرية من الطارئين ، والمندسين، وأصحاب الصوت الصاخب والكوارث في رفع المنصوب بذريعة تفجير اللغة ومنح الريش لكلمات متداولة لتطير وتحلق في فضاءات شاسعة، وكسر قواعد النحو للتعبير عن اللحظة الكونية لتأكيد حضور الشاعر في المدار الساكن الراكد، وكسر الجمود وتجاوز الصنمية.
المقاربة بين المشهدين الشعري والسياسي تكشف بشكل واضح أن أمراض السياسة المزمنة انتقلت إلى ساحة الشعر العراقي المعروفة منذ زمن طويل جدا أنها كانت تمتلك مضادات حيوية لمنع الطارئين من الدخول، وتشرع أبوابها للموهوبين من الجيل السابق واللاحق، وهذا ما أكدته دراسات وبحوث ومؤلفات أكاديميين فضحت أسماء صنعتها الشائعات، قبل أن يسخر السلاطين الشعراء لمدحهم والتغني بمنجزاتهم، مقابل ذلك يحصل المداحون على أنواط وشارات وألقاب وسيارات من نوع فولكس واكن برازيلي.
الشعراء الساخطون اليوم على اضطراب مشهدهم ، ليست لديهم القدرة على فضح المندسين، وحركتهم الاحتجاجية تحتاج إلى أدوات وإجراءات، لتشخيص المندس، وتلك مهمة صعبة، وجهودهم في هذا الأمر تكاد تكون متطابقة مع الجهود التي تبذل حاليا لفضح من اخترق صفوف المتظاهرين في محاولة لحرف مسار الاحتجاجات نحو أغراض أخرى، وإذا كان الشعراء قد أعلنوا مقاطعتهم المنصة، يصر السياسيون يوميا على أن يكونوا دائما فوق المنصات سواء في مبنى البرلمان أو في فندق الرشيد والأماكن الأخرى ليفجروا اللغة، بخطبة عصماء تتضمن مطالب بتطهير الساحة السياسية من المندسين من أذناب الاستعمار والرجعية وفلول النظام السابق.
في المسافة الفاصلة بين الشعراء والساسة ومع احتمال وجود مقاربة بينهما استنادا إلى مشتركات الاضطراب ومعاناتهم من وجود المندسين والطارئين، لا أمل في الأفق، يمكن اعتماده، كمعيار ثابت لمنح حق اعتلاء المنصة، لأنها أصبحت مشاعة لمن كتب قصيدة هزيلة، أو حفظ خطبة ليلقيها على السامعين، وهي عادة تبدأ بالاستهلال المستهلك ، يا أبناء شعبنا العظيم، أوصيكم بتناول "المسموطة" يقصد السمك المجفف الوجبة الغذائية المفضلة في اهوار الجنوب، فهي تمنح للبدن القوة والنشاط، وتخلص أعصابكم من الشعواط وتسرع خطواتكم في قطع كل الأشواط، للوصول إلى مرحلة الرفاهية، والتمتع بالصحة والعافية، وبهذا السجع السياسي، اضطرب المشهد الشعري، وسيطال في الأيام المقبلة، ما تبقى من ثقافة رصينة.