كيف سيكون حال الوجود عندما لا يكون فيه إنسان؟.. وعندما تحدث كارثة تحرق الأرض ومن عليها ماذا سيبقى من جمال هذا الكون؟ أقصد أن أشياء كثيرة ستحترق مع احتراق الإنسان، وتموت بموته، وتفقد جدواها بفقده.. أشياء من قبيل طعم الحب مثلاً، فمن الطبيعي أن هذا الطعم سيختفي من الوجود، إذ لن يبقى فيه كائن يعرف أهمية الأنثى، أو يقول وهو يتأمل جمال عينيها: عيناك غابتا نخيل ساعة السحر، أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر...
نعتقد جازمين بأن الوجود هو الذي منحنا ما نحن عليه، وهو وحده المخول بعقد المحكمة المسؤولة عن تعداد افضاله علينا، لكن كثيراً ما أشك بهذا الحقيقة، عندما أتذكر بأن الإنسان، مثلاً، هو الذي منح السماء زرقتها الجميلة، ولولا تركيبة وعيه التي ترى الزرقة بهذا الشكل وتتحسس روعتها، لما كانت السماء ساحرة هكذا. ونحن لا نعرف كيف يتحسس وعي الشمبانزي ـ أرقى الكائنات بعد الإنسان ـ لون السماء، وهل تحفز شيئاً لديه؟
الشعور بالسعادة، هل يشعر به كائن آخر غيرنا، وهل يستطيع أن يتذوقه كما نفعل نحن؟ بالتأكيد لا، فهذا الشعور مرتبط بتركيبة وعي الإنسان، وأي تركيبة أخرى ستعطي انطباعات أخرى. على هذا الأساس فوجود هذا الشعور مرتبط بوجودنا.. ويرتبط بوجودنا أيضا الكثيير من الأشياء، كالحب، الكره، الخوف، الجمال، الدهشة، التفاؤل، شكل القمر، لون الغروب، رائحة الوردة، طعم السكنجبيل، وووو..الخ. ستنثلم إذاً ثلمة كبيرة من وجود الأشياء إذا تم القضاء علينا. ولنعتبر أن هذا الكلام بمثابة رسالة يجب أن يتم توجيهها إلى الطبيعة ومبدعها، يجب عليهما أن يعلما أن وجوداً لا نشكل محوراً من محاوره الكثيرة، هو وجود بلا طعم ولا لون ولا رائحة. هناك الكثير من الدلالات التي تؤكد أن كارثة طبيعية ما، يمكن لها أن تُجهز على الإنسان كما أجهزت من قبل على الكثير من الكائنات الأخرى، وهذا الاحتمال مخيف. لذلك أريد أن أقول: يا أمنا الطبيعة، أيتها السيدة الجليلة المقدسة.. إياك أن تتخيلي أن وجودنا تافه لدرجة لا نستحق معها الحماية. عليك على الأقل أن تتذكري بأننا إذا ذهبنا فسنأخذ معنا كل أنواع الموسيقى التي عزفناها هنا، على أرضك وتحت سمائك، وإذا احترقنا فستحترق معنا جميع اللوحات التي رسمناها ونحن نتأمل مفاتنك، كل الأغاني الجميلة ستتحول إلى صمت مخيف وبشع.. يا أيها المصدر الذي انبعثت منه الوجودات، نحن لا نعرف عنك إلا ما رسمناه متأملين أو خائفين.. أيها السيد اللامتعين، عليك أن تعلم قبل كل شيء، بأننا سنأخذ معنا جميع صلواتنا، وتضرعنا، ومعابدنا. صحيح أننا يمكن أن نموت ببساطة، وصيح أن شيئاً لن يتغير بزوالنا، لكنك ستبقى وحيداً يا سيدي، ولن تنتظر من يتضرع إليك كل صباح، أو يبكي من خشيتك في نهاية كل ليلة. ستشعر بوحدة كبيرة يا سيدي، تذكر ذلك قبل أن تسمح بنهاية عصر الإنسان.