TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أبعد من اعتقال نادر دندون

أبعد من اعتقال نادر دندون

نشر في: 10 فبراير, 2013: 08:00 م

يتعرض مبدأ حرية التعبير الى محاولات إلغاء تدريجي يقوم بها الفريق السياسي والعسكري للسلطان العراقي. ان اعتقال الصحفي الفرنسي نادر دندون الذي نظمت النقابة الوطنية للصحفيين وقفة احتجاج عليه خلال جمعة شارع المتنبي في بغداد، جرس انذار جديد يمزق اسماعنا، واذا لم نضع حدا لهذا فسنستيقظ صباح يوم غائم لنجد انفسنا بلا صحافة.
ان تقديرات الخبراء المحليين وشركائنا الدوليين تؤكد تراجع مؤشرات حرية التعبير عبر معطيات رصد عمرها ١٠ اعوام قامت بتحليل صعود هذه الحريات وبداية تراجعها منذ أن أصيب سلطاننا باختلال عاطفي اثر انسحاب جيوش الجنرال الامريكي الأسمر لويد اوستن "منقذ المالكي في البصرة".
 اننا لا نتحدث عن حرية الصحافة كشأن ترفي، فحين تنجح السلطة في رمي الصحفي في السجن وترهيب مؤسسته، فإن التعددية السياسية والبرلمان سيكونان بلا قيمة، وحين يصبح الصوت واحدا تنحصر القوة في صوت رجل واحد هو المستبد. ولذلك فإن اكبر شريك للسلطة التشريعية في مهمة الدفاع عن التعدد السياسي، هو سلطة صاحبة الجلالة (الصحافة) التي تتعرض لخطر كبير وحزمة اجراءات رهيبة وسط تقييد متواصل لكل اشكال الحريات الاجتماعية الاخرى.
لقد تشرفنا يوم انعقاد المؤتمر التأسيسي للنقابة الجديدة بحضور قادة سياسيين وعدد مهم من ابرز النواب وأشجعهم، وقادة الرأي العام وزملاء اعزاء في مختلف المجالات. وقال بعض الاساتذة لنا ان تسمية "النقابة" على هذا التجمع الجديد ستظل غير قانونية، لان القانون العراقي "العظيم" لا يسمح الا بنقابة واحدة رغم أن قوانين انكلترا واليابان وماليزيا تسمح بتعدد تشكيلات المهن والأصناف حسب تعدد الاتجاهات الاجتماعية والثقافية في تلك البلدان.
ان المشكلة التي قمت بطرحها يوم انعقاد المؤتمر على سادتنا المشرعين، هي ابعد من تسمية مجموعة الضغط هذه بنقابة او منتدى او تجمع، بل هي أعمق واخطر تتجاوز مشكلة اصطلاحية. إذ ما زلنا محكومين بقانون المجتمع الواحدي الدكتاتوري، رغم اننا نعيش داخل عشر سنوات من التعدد السياسي والصحفي والاداري. والبلد التعددي اليوم مسجون في ازدواجيته هذه، جزؤه عالق في معطف خاكي لبسه صدام حسين، وجزؤه الاخر عالق في حلم الحرية الذي نتشبث به جميعا.
النقابة الجديدة في جزء من مبررات وجودها، جماعة ضغط ستقاتل حتى اللحظة الاخيرة من اجل تكريس مبدأ حرية التعبير، كضامن للتعددية ومناهض للواحدية والاستبداد. لكن حراكنا هذا لن يتعزز الا بتفهم عميق من قبل السادة المشرعين، الذين فيهم رجال ونساء شجعان متفهمون ويقاتلون لكبح جماح شهوة الاستبداد التي تهدد مصائرنا جميعا.
اننا نعيش في بلد تنقصه حريات كثيرة وعلى رأسها حرية الصحافة. لقد اوشك الجندي على اعتقالي قبل اسابيع اثناء تصوير منظر النخيل الخلاب في محافظة واسط على ضفة دجلة، وكل أصدقائي تعرضوا لموقف كهذا او اشد قبل وبعد اعتقال الصحفي الفرنسي بتهمة التجسس. وكان الضابط قرب شط الكوت يتطاول علينا بأقذع الكلمات ويعاملنا كجواسيس. ان الفريق العسكري لسلطانكم لا يفرق بين مفخخة وكاميرا تلفزيون. ان نوابا وساسة يشتمون الصحفيين بسبب نقد بسيط ندلي به احيانا للسلطة، رغم مرور عشر سنوات على سقوط صدام حسين. وهذا يجري بينما نشاهد كل يوم زملاءنا في مصر وهم ينتقدون سلطتهم بعشرة أضعاف ما ننتقد في العراق، دون ان يجرؤ مرسي والاخوان على فعل ما يفعله سلطاننا مع الصحافة.
كم مرة اقتحم جنده مؤسساتنا الصحفية؟ اخر مرة كانوا يجلسون ببساطيلهم على مكاتب زملائنا في تلفزيون البغدادية ويسخرون من الصحفيات والصحفيين، كما ان قانون حقوق الصحفيين الذي اقره سادتنا المشرعون لم ينجح في حمايتي على شط الكوت، ولا في حماية زملائنا الذين عبث العسكر بحواسيبهم وأرشيفهم التلفزيوني وأوراقهم بلا أي مراعاة للمعايير.
ان المعايير والقوانين التي يستخدمها السلطان معنا لا تشبه اي معيار ماليزي او ارجنتيني حتى، بل ان معايير السلطان مرسي بكل حماقاته، تظل اخف وطأة. يمكن للصحفي الاجنبي ان يدخل مصر بسهولة، كما يدخل كردستان. بينما ظل صديقي الياباني يتوسل ستة شهور كي يحصل على فيزا بغداد. انه محرر شؤون الشرق الاوسط في صحيفة يطالعها عشرة ملايين ياباني، ويزور اربيل مرتين في السنة، لكنه يخفق في دخول بغداد.
لقد نجح السلطان، واقول هذا بكل اسف، في ترويع معظم مؤسساتنا المحلية، وهو اليوم يريد عزلنا وتخويف الصحافة الأجنبية أيضاً لجعل العراق جزيرة معزولة يفعل فيها ما يشاء ويقتحم محطاتها التلفزيونية ويحل برلمانها ويرفع الحصانة عن نوابها، ويحل الخلاف مع أكرادها بالدبابات، وينعت المتظاهرين بالفقاعات، ويهدد الصدر والحكيم، ولا تسلم من هستيريا السلطة التي تتملكه حتى المقامات الدينية الرفيعة لمرجعية النجف.
ان جماعة الضغط الصحفية التي اعلنت مؤخرا، لابد لها من اطلاق حوار فوري مع قوى البرلمان، لنشاركهم مخاوفنا الكبيرة التي تهدد تعدديتنا الثقافية والسياسية برمتها لا مجرد مبدأ حرية التعبير.
وأكرر هنا ما قلته في مؤتمرنا التأسيسي امام المشرعين الكرام وأساتذتنا من شيوخ الصحافة: يمكنكم ان تتقاعسوا عن دعمنا وان تخضعوا للضغط وتتأخروا عن اصدار تشريعات توازي معايير الحداثة، ويمكنكم ان تسدوا اذانكم عن صوت احتجاجنا، ولكن حينها سيسعدنا ان نكون خارجين عن القانون البدائي الذي يرتهن اهلنا، كما في وسعنا ان نذهب وحدنا لمطاردة حلم عراقي مشروع بالحداثة والحرية.
ان الوقت يمضي وتطورات الأحداث تتسارع والسلطان يستولي على الدولة، والصحافة مقيدة شبه مسجونة بقوانين صدام حسين التي لم يعدلها احد خلال ١٠ اعوام مرة وقاسية، ونريد ان نكاشف المشرعين بكل هذا في حوار عاجل تأخر طويلا. أرجوكم ساعدونا كي لا نكون خارجين عن القانون، وكي لا نتحول إلى جواسيس اثناء تصويرنا شط الكوت.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. المدقق

    ان الجاسوس معروف في طبيعة عمله فهو ينقل الاخبار والصور والمعلومات بصورة سرية الى الجهة التي كلفته بهذا العمل وقد يكون ثمنه ماديا او معنويا وهو حتى بهذا الفعل اللا مشروع يقوم بتادية خدمة مفيدة لجهة ما .. اما انتم ايها العناجكة فتقومون بتخريب البلد واذكاء ا

  2. Iraqi

    هل في هذا البلد المفتوح على مصراعيه (سر) يستوجب تجنيد جاسوس وخسارة مبالغ باهظه لاقتناص هذا السر .. واي دائرة مخابرات غبية تجند مواطنا مجهولا في الوقت الذي تستطيع شراء وزير او تجنيد برلماني بحصانه دبلوماسية, المشكلة تكمن في الشخصية العراقية المريضه حين تسل

  3. افراح شوقي

    كم هو عظيم قلمك ياسرمد.. تبث فينا القوة ووالعزم في زمن يدعو . بكل لحظاته الى الرخو والتكاسل وسبات الوطنية.. قبلات لقلمك الحر

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram