TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تنمية سياسية متفاوتة

تنمية سياسية متفاوتة

نشر في: 10 فبراير, 2013: 08:00 م

التمايز بين "مكونات" الشعب العراقي يكتسب مع الوقت وضوحا وتبلورا. السياسة احدى صور هذا التمايز. عند منعطف 2003 ظلت السياسة الغالبة بين الكرد هي القومية العلمانية. وتستمر كذلك. مع دورتي انتخابات 2005 النيابية أصبح "الاسلام السياسي" هو الفكرة والممارسة السائدة وسط الشيعة والسنة.
لكن مع انتخابات 7 آذار 2009 العامة حدث تغير وسط السنة. تراجع نفوذ الاسلاميين بينهم لمصلحة اتجاه علماني تمثل بـ "القائمة العراقية". فلم يكن بين الجماعات السبع التي تشكلت منها حزب اسلام سياسي واحد. والجماعة التي حصدت أعلى نسبة مقاعد بينها هي "الوفاق الوطني" بزعامة أياد علاوي. الشيعي الذي يقود "القائمة العراقية" ذات الأغلبية السنية الساحقة. وهذه القيادة تمثل "قفزة" سياسية وسط السنة. اذ هي تعبر عن درجة ما من درجات تجاوز "العصبية الطائفية".
وبتراجع "الاسلام السياسي" والتراجع النسبي للعصبية الطائفية أظهر السنة تقدما نحو السياسة ذات الطابع العلماني، أو المدني. وقد عبر هذا التطور عن تعامل براغماتي (نفعي) مع الواقع. فالحكم الديني الذي يسعى الى اقامته مبدئيا اي اسلام سياسي يتسبب عادة بنتائج وخيمة في البلدان المتعددة طائفيا وعرقيا. خصوصا اذا ضم طائفة ذات أغلبية سكانية مقابل أقليات. كما هو الحال في الهند ذات الأغلبية الهندوسية، أو العراق ذي الأغلبية الشيعية.
إن الأقليات سواء كانت فكرية أو طائفية أو عرقية تجد مصلحتها في النظم السياسية المدنية أو العلمانية. ذلك ان المثل الأعلى الحاكم في السياسة المدنية يتمثل بالمساواة في الحقوق والواجبات بين الجميع بغض النظر عن الاختلافات من اي نوع. انها دولة المواطنة وليست دولة الدين أو الطائفة.
وهذا لا يعني بالطبع انها ضد الدين أو الطائفة. بل انها على العكس من ذلك تتبنى "طائفية رسمية". وهذه تعني منح المجتمع حرية تامة في ممارسة المعتقدات الدينية، ولكن مع اشتراط ممارسة السياسة والحكومة نهج "التجاهل التام" ازاء هذه العقائد وخلافاتها أو اختلافاتها. أي عدم تبني أي منها تمييزا لها عن غيرها في أي مجال من مجالات عمل أجهزة الدولة، من الحكومة الى البرلمان الى القضاء الى الإعلام.
اذن "التطور السياسي" الذي تحقق لدى سنة العراق هو غلبة التوجه المدني بينهم، والتجاوز المحدود والنسبي للعصبية الاجتماعية الذي تمثل بقبولهم قائدا شيعيا لكتلتهم. وهناك تطور سياسي ثالث مهم ظهر أخيرا، تمثل باعتمادهم وسائل حرية التعبير، خصوصا اسلوب التظاهر، في النضال من أجل تلبية الحقوق. ولعل أهم ما ينطوي عليه هذا التطور هو اكتسابهم ثقة بالنفس مكَّنتهم من "تجاوز الخوف". أو اذا شئتم كسر حاجز الخوف من الحكومة، وهو حاجز عاد الى التكون والارتفاع مع تنامي القوة العسكرية والأمنية والانحراف في بعض استخداماتها.
هذه التطورات الثلاثة، التي استجدت على السياسة وسط السنة، تعبر عن تنمية سياسية متفاوتة بين المكونات الثلاثة. فوسط الكرد هناك تنمية سياسية أكثر تقدما من المكونين الآخرين. لكن لا
توجد "تطورات سياسية" نوعية وسط الشيعة كالتي حدثت وسط السنة وقبلهم الكرد. وأغلب الظن أن الظلم التاريخي الذي لحق مناطق الوسط والجنوب، سياسيا واقتصايا وتعليميا، لايزال يمثل أحد أهم العوائق أمام تطور سياسي نوعي بين الشيعة. فالغلبة مازالت بينهم لجماعات الاسلام السياسي، وللعصبية الاجتماعية، وأيضا لانخفاض مستويات المعيشة والتعليم والثقة بالنفس. وهنا تتجسد مفارقة مأساوية: فالحكم شيعي لكنه استمر في تغذية وليس تخفيف "المظلومية الشيعية".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram