الشيخ الروائي هو الأميركي فيليب روث (ولد في 19 آذار/ مارس 1933 - ؟) أما تلميذه فهو روائي شاب اسمه جوليان تيبركان نشر روايته الأولى (The Balls) قبل أيّام من لقائه شيخه لينشر شهادته في مجلة فرنسية "Paris Interview"، على لقائه ذاك مع الروائي الشيخ في أحد مطاعم المدينة حيث كان روث يتناول إفطاره المعتاد وكان جوليان تيبر هو نادل المطعم الذي يخدم شيخه الروائي ذات إفطار...
تيبر: كان يجلس وحيداً عند طاولة الطعام، يقرأ على جهاز الآيفون بانتظار النادل. تغلبت على ترددي وحاولت تهدئة أعصابي وأنا أتوجه نحوه حاملاً نسخة من روايتي الأولى.. كنت قد سمعت أنه لم يعد يقرأ الروايات.. مع ذلك هي فرصتي لأهديه روايتي.
إن مجرد وجود هذا الكاتب في مثل هذا المكان جعلني مريضاً. كانت يداي ترتعشان وأوشكت الصحون أن تسقط منهما، والقهوة ستندلق.
كان في صحة جيدة، يشبه فيليب روث، نحيفاً له عينان غامقتان تحت حاجبين كثيفين، تستقيم كتفاه في جلسة نبيلة.
كنت أحتفظ بنسخ من روايتي تحت طاولة في زاوية النادل بانتظار لحظة فريدة مثل هذه.
اقتربت منه وأنا أتأبط روايتي بينما كانت عضلات وجهي قد تصلبت.
اقتربت منه أكثر ونطقت: "أستاذ، سمعت، في إحدى المقابلات معك، أنك لم تعد تقرأ الروايات، لكنني طبعت روايتي الأولى وأود أن أهديك نسخة".
رفع عينيه عن جهازه الإلكتروني وأخذ الكتاب مني.. هنأني، ألقى نظرة على الغلاف وقال: "عنوان جميل جداً، أنا مندهش لأنني لم أفكر بمثله من قبل".
فيليب روث هنأ الفتى الروائي على إنجازه الأول، بل أبدى إعجابه بعنوان روايته (The Balls) "الذي لم يخطر لي على بال" عقّب روث.
"حسناً، بني.. ها أنت نشرت روايتك الأولى. أنت بدأت من حيث انتهيت أنا. أنا الآن روائي متقاعد بعد أن أوسعت الكلمات ضرباً وصمدت كثيراً في حروبي مع شخصياتي الروائية لتبلغ طرقها المستقيمة، أو هكذا ظننت.
أما نصيحتي لك فهي: لا تكتب بعد الآن، رجاء. هذا ليس رأياً نقدياً بشأن روايتك، فأنا لم أقرأها بعد. الكتابة عملية تعذيب ذاتي على المرء تجنبها والبحث عن مهنة أخرى" أوضح الروائي الشيخ.
الروائي الشاب أخذ النصيحة النادرة على محمل الجد وعدّها أثمن نصيحة في حياته.
يواصل تيبر: كانت كلماته تلك بمثابة جرعة مورفين، بل جرعتان. أحسست بأنني لم أعد داخل جسدي. ساقاي في أضعف حالهما وأذناي ساخنتان، دمعت عيناي وازدادت ضربات قلبي.. لكنني تمكنت من أن أقول له: شكرا لك!
روث الذي عرف العالم، بعد حوالي أسبوعين أنه تقاعد وهجر الكتابة، واصل حديثه معي: هذا شيء عظيم، ولكنني سأتوقف عن الكتابة من حيث ستبدأ أنت. الكتابة مهنة مخيفة.. خيار فظيع، بل هي شنيعة كالتعذيب.. أنت تكتب وتكتب وفي النهاية عليك أن ترمي بكل ما كتبت بعيداً لأن ما أتيته ليس بالعمل الجيد.. أقول لك: عليك أن تتوقف عن هذا فوراً. تلك هي نصيحتي لك!
تيبر: لقد فات الأوان، يا سيدي، ولا يمكنني الرجوع عما أنا فيه.
هزّ الروائي الشيخ جسده ببطء وقال: حسناً، أتمنى لك حظاً سعيداً، يا بني!
لكن الروائي الشاب لم يأخذ تلك النصيحة كمسلمة، ولم تثنه كلمات الروائي عن أن يسدر في غيّه، كما يقال، بل ولدت في نفسه أسئلة ملحة بشأن الكتابة والكتّاب، الرواية والروائيين.
تيبر: استعدت كلماته مرة بعد أخرى وتساءل: هل أمضى هذا الروائي سنوات الكتابة والبحث ليتوصل إلى لاشيء؟ هل ذهبت سنوات "التعذيب الذاتي" سدى؟ كيف سيمضي أعوامه المتبقية في عالم من الضجر؟ هل يمكن للكاتب أن يستبدل جلده ليبحث عن مهنة أخرى أقل عذاباً؟
الروائي الشيخ وتلميذه الشاب
[post-views]
نشر في: 11 فبراير, 2013: 08:00 م