التوتاليتارية أو الشمولية نظام سياسي نادر من نوعه، تمثل خصوصا بالنازية والستالينية.إن النظام الشمولي أشبه بمعدة عملاقة تأكل وتهضم مجتمعا بأسره. فكما إن الطعام في المعدة عبارة عن مادة في دورة هضم، فإن أفراد المجتمع التوتاليتاري أشبه بمادة طين تشكلها، وتعيد تشكيلها، إرادة جهاز الدولة وآيديولوجيته. ولم يعد هناك مجال لمثل هذا النظام في عالم اليوم. فقد ولد ومات في القرن العشرين.
أما الفاشية فهي أفكار أو ممارسات سياسية أكثر مرونة، وقدرة على الوجود والاستمرارية، واتخاذ اشكال عديدة على صورة نظام حكم، أو أحزاب معارضة، أو حركات سرية، أو مجرد أفكار أو أشباح من الهواجس والوساوس. وهي متناقضة، مختلفة، لا رابط بينها سوى معاداة الديمقراطية. وأسبابها شأن صورها متعددة ومختلفة.
إن حركة التاريخ تمضي في اتجاهها الرئيسي الأكبر نحو تحقيق الحرية. وأي إعاقة لهذا الاتجاه تتسبب بها أوضاع أو أفكار ما يمكن أن تأخذ صيغة من صيغ الفاشية. التعصب أهم هذه الصيغ. وهو الايمان المتصلب بأن حزبي، جماعتي، طائفتي، على حق، وإن الآخر، المختلف، باطل. وبما ان الواجب الأخلاقي يقضي برفض الباطل، فأنني بناء على ذلك سأكره ممثلي الباطل، أستقوي عليهم، أنازعهم، وفي الحد الأقصى أقاتلهم، لأنتصر عليهم وأفرض سلطتي عليهم.
ولكن "الباطل"، لم يعد كتلة معزولة، شأن العدو أيام زمان. فقد يوجد أنصار مضللون له من بين جماعتي أو طائفتي. كما يمكن أن يوجد له مؤازون أو حلفاء خارج الحدود. فالشيعة، مثلا، طائفة عالمية. كذلك السنة. لذلك فإن عقل المتعصب سيمتلىء بوسواس المؤامرات الداخلية والخارجية ضده. فهناك دائما مؤامرة ومتآمرون.
والمؤامرة قد لا تأخذ صيغة سياسية فقط. ان "الغزو الثقافي"، مثلا، صيغة أخرى. فالغرب يسعى الى انتزاع جذوري الثقافية وزرع جذوره البديلة في بيئتي، وبالتالي تحويل أهلي وعشيرتي الى مسوخ من صنعه. وهكذا فإن المؤامرات كثيرة، ومتعددة الحجوم والمصادر، وضحاياها يشعرون على الدوام بأنهم مهددون ومحاصرون، وبأن العالم مكان خطير، وإنهم يحتاجون لذلك الى "البطولة" لمواجهته.
ان التعصب والكراهية والخوف والبطولة بعض وجوه الفاشية. أما "القسوة" فهي أهم أدوات عملها. لكن الفاشية لم تعد حرة في ممارسة القسوة، الا في حالات الضرورة القصوى. ذلك ان الصحافة خصوصا، ووسائل الاتصال الحديثة عموما، أصبحت بالمرصاد لكل عمل من أعمال القسوة. ومن هنا عداوة الفاشية للصحافة الحرة، ولكل وسائل حرية التعبير والتفكيرالأخرى. التفكير بالذات خصم لدود للفاشية، لأنه علامة الفرد المستقل، الحر، أو المتنور، بينما تقوم الفاشية على محو الفردية واعتقال العقل وتعميم العقلية الجماعية الواحدة.
ان صور الفاشية كثيرة للغاية. ووجودها حي وتهديدها قائم حيثما غابت أو تعثرت أو تجمدت حركة الحرية. قال روزفلت مرة:" اذا توقفت الديمقراطية الأميركية عن التطور كقوة حية، وكفت عن العمل ليل نهار، من خلال وسائل سلمية، على تحسين شروط عيش مواطنينا، فإن الفاشية ستنمو في بلادنا". وإذا كانت أشباح الفاشية تطوف حول ديمقراطيات عتيدة، فإن لها في بلدان المراحل الانتقالية أبطال وصولات وجولات تملأ الزمان والمكان وليس مجرد أشباح. انها ليست موضة عابرة بل تهديد دائم.
جميع التعليقات 1
كاطع جواد
اعتقد ان اصل الفاشية جاءت من فردانية بعض الحكام فهتلر وستالين وصدام هم افراد اعتقدوا من خلال السلطة انهم لا يخطئون وعلى الجميع ان يصمت والا يواجه مصيرا أسودا فالجماعة لا تؤسس للفاشية لكن الافراد يعممونها ويلبسونها ثوبا وغطاء مجتمعيا حتى يبرر لهم تفردهم