يحدث التضخم في الاقتصاد في حالة التصاعد المستمر في المستوى العام لأسعار كافة المجاميع السلعية والخدمية . إما الارتفاع في أسعار بعض السلع والخدمات فلا يطلق عليه تضخماً. والتضخم ظاهرة مرضية معقدة ومركبة وملازمة بشكل خاص للاقتصاد الرأسمالي بسبب و
يحدث التضخم في الاقتصاد في حالة التصاعد المستمر في المستوى العام لأسعار كافة المجاميع السلعية والخدمية . إما الارتفاع في أسعار بعض السلع والخدمات فلا يطلق عليه تضخماً.
والتضخم ظاهرة مرضية معقدة ومركبة وملازمة بشكل خاص للاقتصاد الرأسمالي بسبب وضعه المغرق بالأزمات المتواصلة كنتيجة حتمية لطبيعته البنيوية القائمة على الصراع من اجل الاستغلال والإرباح. ويمكن أن تتعرض للتضخم كافة الاقتصاديات المتقدمة و النامية على حد سواء .
وينشأ التضخم في اغلب الحالات بسبب الاختلال وعدم التوازن بين الطلب الكلي والعرض الكلي في الاقتصاد القومي . فعند عجز العرض السلعي عن تلبية الطلب الكلي للمستهلكين من السلع والخدمات ترتفع أسعار المجاميع السلعية ويحدث التضخم. وكلما تزداد الفجوة اتساعا بين الطلب الكلي والعرض الكلي تتسارع وتيرة الارتفاع في معدلات التضخم .
ووفقا لتقرير الشؤون الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة فان معدل التضخم في العراق حتى عام 2006 بلغ 64.8 %. وحسب ما ورد في التقرير فان العراق هو البلد الأكثر تضخما من بين 22 دولة عربية. وقد سجل الرقم القياسي لأسعار المستهلك ارتفاعا بلغ 33,6% و33,9% و36% و64,8% للسنوات 2003 2004 و 2005 و 2006 على التوالي. فارتفاع مؤشر التضخم في مارس عام 2006 إلى 53% مقارنة بعام 2005 وضع الاقتصاد العراقي في الاتجاهات التضخمية التي عاشها في فترة الحصار الاقتصادي. وقد ارتفع التضخم الى مديات كبيرة فبلغت نسبة الزيادة الشهرية في الرقم القياسي لأسعار المستهلك في تموز من العام 2006 قرابة 70% مقارنة بالنسبة نفسها من العام 2005، وواصل ارتفاعه في شهر آب 2006 حتى بلغ نسبة 76,6% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
وحسب ما نشرته وزارة التخطيط العراقية فان مؤشر التضخم السنوي في العراق ارتفع منذ نيسان عام 2011 ولغاية نيسان عام 2012 بنسبة 8,7% . وبررت الوزارة هذه الزيادة بارتفاع أسعار الأغذية والمشروبات غير الكحولية بنحو 13% وأسعار السكن بنسبة 9,7% والخضراوات بمعدل 13.3% وأسعار إيجارات الدور السكنية بنسبة 14%. وأكدت نتائج عينة مختارة أعدها الإحصاء المركزي عن منافذ البيع في محافظات العراق فان الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك بلغت 142.4% في شهر نيسان عام 2012. أي بمعدل ارتفاع من 1.1% الى 8.7% مقارنة مع شهر نيسان الماضي، وارتفاع أسعار المطاعم بمعدل 6.9%. والتعليم بمعدل 5.9% مقارنة بشهر نيسان عام 2011.
إن الاقتصاد العراقي بسبب ارتباطاته المتعددة بالاقتصاد الرأسمالي وانفتاحه المطلق على الاسواق الخارجية فقد تأثر وسوف يتأثر بدرجة كبيرة بمتغيرات التجارة الخارجية الدولية وبما يحدث في الدول الرأسمالية من ركود وتضخم وغلاء وأزمات مالية ونقدية. وتساهم بشكل خاص سياسة التحرير الاقتصادي الذي يسعى العراق لتطبيقها في شل قدرات السلطات النقدية في التحكم بأسعار العملة الوطنية الممثلة بالدينار العراقي لتعزيز قيمته النقدية وقدرته التنافسية في سوق الصرف الأجنبي.
فالأزمة التي يعيشها الاقتصاد العراقي هي أزمة مركبة تشكل سببا ونتيجة للازمات المتمثلة في البطالة والخدمات وفي تخلف القطاعات الانتاجية والارتفاع الجنوني في الاسعار . وبحسب وزارة التخطيط العراقية فان نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر 23% وعدد الفقراء في العراق تجاوز 8 مليون نسمه، و نسبة البطالة اكثر من 20% حتى عام 2012 . و يحتل العراق المرتبة الثالثة عالمياً بين البلدان الاكثر فساداً ويوصف بالدولة الفاشلة.
إن التضخم الأكثر شيوعا في الاقتصاديات النامية ومنها العراق هو التضخم بفعل الطلب الذي يحدث بسبب عجز العرض الكلي للسلع والخدمات عن مجاراة الطلب الكلي لجمهور المستهلكين. ويحدث كذلك عندما يتجاوز النمو في الدخول النقدية الزيادة في ارتفاع أسعار السلع والخدمات مما يؤدي الى أضعاف القوة الشرائية للنقود. وبذلك يصبح التضخم سببا في تدهور قيمة العملة النقدية وينطبق ذلك على حالة العراق. أما الانكماش في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات فيؤدي الى تعزيز القيمة النقدية للعملة الوطنية ويتحقق ذلك بردم الفجوة بين الطلب والعرض السوقي. أي بزيادة العرض من السلع والخدمات بالشكل الذي يحقق التوازن ويكفي لتغطية حاجات السوق بصورة دائمة.
وللتضخم أنواع متعددة كالتضخم بفعل الطلب والتضخم بضغط التكاليف والتضخم الزاحف والتضخم المستتر والتضخم الجامح الذي ينشا عند ارتفاع الأسعار بمعدلات عالية جدا في فترة زمنية قصيرة مما يؤدي إلى انهيار النظام النقدي وبذلك تفقد النقود وظيفتها كمستودع للقيمة وكوسيط للتبادل. وقد حدث هذا النوع من التضخم في العراق في التسعينات فبلغ معدل التضخم 31000%. وفي ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى فارتفعت الأسعار بمعدل 100,000,000,000، وحدث أيضاً في اليونان فازدادت الأسعار أكثر من 25000 مرة بين عام 1939 و1948.
ورغم التغير الجذري في الفلسفة الاقتصادية بعد تغيير النظام في العراق فان الاقتصاد العراقي لم يحقق نمواً اقتصادياً حقيقياً إلا في قطاع النفط وهو نمو متعثر بسبب انعدام التخطيط وسوء الإدارة الاقتصادية ولهذا ظل الاقتصاد العراقي يعيش في نفق أزمة اقتصادية متعددة الأوجه واحد مظاهرها التضخم والركود الاقتصادي المتمثل في تعطيل الكثير من الطاقات الإنتاجية وتفاقم البطالة وتوقف النشاط الإنتاجي في القطاعات الحقيقية مما انعكس سلبا على المستويات المعيشية للمجتمع وزيادة عدد الفقراء واتساع الفجوة بين دخول الفقراء والأغنياء وبروز مراكز مالية قوية لبعض المتنفذين في الدولة.
إن المراقب لحركة سعر صرف العملة العراقية وارتفاع الأسعار يستنتج بعض التناقض بين المنطق الاقتصادي وحركة الأسعار. فمن المفترض ان يؤدي التحسن في سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي الى انخفاض الأسعار السلعية ولكن الذي يحدث فان التحسن الذي يتحقق في قيمة الدينار العراقي لِمَ لم يوقف زحف الأسعار نحو الصعود . وبذلك يؤدي التضخم إلى التهام الدخول الشحيحة من ذوي الدخل المحدود ويساهم في توسيع رقعة الفقر وامتداده إلى فئات أخرى.
فالانخفاض في سعر صرف العملة الأجنبية يؤدي منطقيا الى ارتفاع قيمة القوة الشرائية للدينار العراقي والحصول على سلع وخدمات اكثر خصوصا ان القسم الاعظم من السلع المعروضة في السوق العراقية هي سلع مستوردة ومقومه بالدولار الأمريكي. ويفسر هذا التناقض بوجود معدلات تضخم مرتفعة وبالوضع المازوم الذي يعيشه الاقتصاد العراقي.
فالتضخم الاني في الاقتصاد العراقي لا يمكن حصره بسبب واحد وانما باسباب وعوامل متعددة . فالتضخم ينشأ بسبب تزايد الطلب السلعي الاستهلاكي وعجز السوق العراقية عن تلبيه هذا الطلب المتزايد. وينشأ التضخم ايضا من الغلاء الفاحش في البلدان التي يعتمد العراق عليها في تأمين مستورداته السلعية. وفي هذه الحالة يوصف التضخم في العراق بالتضخم المستورد . وفي حالات اخرى ينشأ التضخم من عدم ثبات السياسة النقدية و التمويل بالعجز واللجوء الى الاقتراض الخارجي لسد العجز في الموازنة. وينشا كذلك من الافراط في عرض كميات كبيرة من النقود لا تقابلها سوى كميات قليلة من السلع والخدمات مما يؤدي الى ارتفاع الأسعار وهبوط قيمة العملة النقدية.
إن السياسة الاقتصادية والنقدية المتمثلة في تحرير الأسعار والتجارة والاستثمار والخدمات هي سياسة عاجزة عن معالجة الاختلالات في الهيكل الاقتصادي العراقي وغير قادرة على إخراج العراق من أزمته الاقتصادية والسياسية والخدماتية والأمنية لأنها تفتقر إلى إستراتيجية تنموية ورؤية اقتصادية تحدد الأولويات في الإصلاح الاقتصادي والمالي.
جميع التعليقات 1
احمد
شكرا لجريدة المدى على هذا الموضوع القيم