TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حالة محمد مهدي صالح !

حالة محمد مهدي صالح !

نشر في: 12 فبراير, 2013: 08:00 م

نعيش حالة عبث سياسي مخيف، يقوم على ممارسة اللعب بالنار كنوع من التهديد والتخويف وإثارة حالة من الفزع، تؤدي إلى حبس العراقيين داخل جدران سميكة من الخوف والقلق والرعب من المستقبل.. وإلا ما معنى كل هذا الرعب الرسمي من مجرد أحاديث عن نية متظاهري الأنبار إقامة صلاة في جامع ابو حنيفة، الا ان القائمين على إدارة شؤون البلاد باتوا يدركون جيدا أنهم فشلوا في ادارة معظم الملفات، وعلى رأسها ملف العدالة الاجتماعية، والخدمات والاهم ملف التعايش الوطني بين أبناء هذا الشعب، ومن ثم نرى هؤلاء الساسة يتعاملون مع المواطنين بسيكولوجية التشكيك.. فالمواطن متهم حتى وهو يطالب بإصلاح العملية السياسية التي ولدت كسيحة.
خلال الاسابيع الماضية بلغ منسوب الترويع حدا مثيرا للسخرية، فمع بزوغ فجر كل صباح يخرج علينا من يحذرنا من مخططات مزعومة تهدف إلى إحراق البلاد وتقويض المنجزات "الديمقراطية" التي تحققت خلال السنوات الماضية، إلا ان الواقع يقول ان الذي حدث خلال السنوات الماضية إن المسؤولين الذين انيطت بهم مهمة قيادة البلاد، أصابوا الوطن بجروح وسببوا خرابا كبيرا في نسيجه الاجتماعي، وفي نهاية الأمر نراهم يصرون أن يغوصوا بالناس في بحار من الفتن والحرب الطائفية، وبدلا من ان يخرجوا للناس ليعترفوا بأخطائهم وجهلهم.. نراهم يصرون على إلقاء مسؤولية الخراب على المواطن المسكين، لأنه يطالب بحقوقه المشروعة من ثروات البلاد التي تنهب في وضح النهار.. وتتساءل الناس بعد كل هذه السنوات ما المخرج من هذه الدوامة؟ فلا تجد جوابا.. ولهذا كنت في حالة من الاستغراب وأنا استمع قبل ايام لجواب مسؤول كبير في التحالف الوطني، وهو يرد على تساؤلي هذا: ما المخرج؟  حيث لم يجد الرجل حرجا في ان يقول وبكلمات واضحة ان الازمة الحقيقية، هي ان النظام السياسي الجديد في العراق يمارس نفس أساليب صدام في التفرد بالقرار والتحزب.. ويضيف المسؤول الذي كان يبدو عليه الأسى من ان التشريعات والقوانين القديمة، يعاد اليوم تكييفها لتصبح في خدمة النظام الجديد.
الا ان اكثر ما أثار استغرابي ما رواه لي المسؤول السابق - الذي اتحفظ عن ذكر اسمه- عن حادثة تتعلق بملف وزارة التجارة.. فعلى ذمة المسؤول أن التحالف الوطني طلب تشكيل لجنة للنظر في الاتهامات الموجهة بالفساد المالي لوزير التجارة آنذاك فلاح السوداني.. ويضيف المسؤول ان اللجنة اقترحت أن يصار الى عمل مقارنة في ما يتعلق بنظام الحصة التموينية بين ما كان يجري في زمن وزير التجارة في عهد صدام محمد مهدي صالح وبين الوزير فلاح السوداني وان اللجنة أخذت تدرس جميع الملفات وتضع البيانات لتكتشف في النهاية ان محمد صالح -الذي كان معتقلا- استطاع ان يقدم حصة تموينية وبكامل مفرداتها وبشكل منتظم مع وجود شبهات فساد بسيطة جدا.. فيما الوزير السوداني لم يستطع أن يقدم ربع الحصة التموينية وبشكل غير منتظم وبشبهات ووثائق فساد واضحة للعيان.. مع العلم أن المبالغ التي خصصت للحصة التموينية الآن تبلغ عشرة أضعاف ما كان مخصصا في زمن الوزير محمد صالح.. ويواصل المسؤول روايته فيقول، قامت اللجنة بتقديم تقريرها إلى التحالف الوطني لاتخاذ قرار مناسب فكان الجوان واضحاً وهو اعتراض عدد من اعضاء التحالف على مجرد المساس بالوزير السوداني، والسبب لأنه ينتمي إلى حزب سياسي لديه ثقل في البرلمان.. ولم تنته قصة المسؤول عند هذا الحد، فيقول ان لقاء جمعه بأحد مراجع الدين الكبار الذي طلب توضيحا حول ما يقال بشأن فساد وزارة التجارة.. فلم يجد المسؤول حرجا في ان يضع للمرجع الكبير الجداول التي تقارن بين عمل الوزير محمد صالح وبين فلاح السوداني وحين انتهى من قراءتها – والقول للمسؤول – نظر المرجع الكبير في وجهي وقال: "والله انتم مجرمين" لماذا لا تخرجون هذا الرجل من السجن وتسلمونه وزارة التجارة ؟
هذه الحكاية تكشف لنا إن ما جرى ويجري في العراق خلال السنوات الماضية كان تجربة عملية على حرق كل اثر للتغيير، وقد كان مشهد الصراع الطائفي على المناصب والمغانم بالغ الدلالة والإيجاز وإذا كان العراقيون البسطاء قد توسموا خيرا بعد 2003، فقد خاب ظنهم حين اكتشفوا أن بينهم اليوم أكثر من صدام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. محمد

    بسيطة محمد مهدي صالح ليس حراميا ولكن قديكون عمل مع الظلمة والسوداني حرامي وعمل مع ظلمة اكبر واسوأ ومن ثم الرجل سني وهذا يستحيل على حكومتنا المنتخبة ان توليه وزارة تعوم على الميزانية

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram