(2-2) من التبعات الاقتصادية والاجتماعية للتضخم فقدان الثقة بالعملة الوطنية. فالتصاعد الحاد في الأسعار يضعف القوة الشرائية للدينار العراقي و يتجه المستثمرون والمستهلكون نحو الملاذات الأمنية فيلجئون الى تحويل مدخراتهم الوطنية الى ذهب او عقارات او
(2-2)
من التبعات الاقتصادية والاجتماعية للتضخم فقدان الثقة بالعملة الوطنية. فالتصاعد الحاد في الأسعار يضعف القوة الشرائية للدينار العراقي و يتجه المستثمرون والمستهلكون نحو الملاذات الأمنية فيلجئون الى تحويل مدخراتهم الوطنية الى ذهب او عقارات او استبدالها بعملات أجنبية مما يؤدي إلى نشوء ظاهرة الدولرة في الاقتصاد . ويؤدي ارتفاع وتائر التضخم إلى تدهور القوة الشرائية للمستهلكين وزيادة الدخول النقدية للمضاربين وأصحاب العقارات مما يؤدي الى إعادة توزيع الدخل في مصلحة الفئات الطفيلية والاستغلالية و يؤدي إلى تعميق التفاوت الطبقي والاجتماعي في المجتمع نتيجة للتفاوت الحاد في توزيع الأجور والثروات. وبذلك يساهم التضخم في زيادة غنى الأغنياء وفقر الفقراء.
ومن تبعات التضخم تفاقم الاختلال في ميزان المدفوعات نتيجة لتزايد حجم الاستيراد الخارجي وتراجع الصادرات السلعية. مما يؤدي إلى تزايد التبعية الاقتصادية إلى الخارج .
ويؤدي التضخم أيضا الى زيادة العجز في الميزانية العامة و لجوء الدولة الى الاقتراض الخارجي لسد العجز. والتضخم يخلق بيئة غير مشجعة للاستثمار المحلي والأجنبي. وبذلك تتقلص فرص العمل و تتفاقم ظاهرة البطالة.
المعالجة المقترحة
للحد من تداعيات التضخم وانعكاساته على الاقتصاد والحياة المعيشية يتطلب اتخذ حزمة من الإجراءات العلاجية للقضاء على الأورام السعرية وإفرازاتها ومنها :
1- العمل المخطط من اجل ردم الفجوة بين العرض والطلب بجانبيه النقدي والسلعي لتحقيق التوازن الذي يتطلب تحقيق معدل نمو اقتصادي يزيد على نسبة الزيادة السنوية للتضخم. فالركود التضخمي الذي يعيشه الاقتصاد العراقي يؤدي إلى تواصل ارتفاع الأسعار بسبب عدم توظيف الموارد الاقتصادية المتاحة في العملية الإنتاجية.
2- دعم القطاع الزراعي ومنحه الأولوية في التخصيص المالي ليكون قاعدة رئيسية في توفير الغذاء وتقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي وبذلك ينخفض ارتفاع الأسعار وتسرب العملات الصعبة.
3- على الدولة الاستمرار في العمل بنظام البطاقة التموينية وزيادة مفرداتها السلعية كماً ونوعاً لان ذلك يساهم في تأمين الحاجات الأساسية للمواطنين ويحمي الفئات الفقيرة من تبعات التضخم. فإلغاء البطاقة التموينية سوف يطلق العنان للأسعار نحو الصعود الحاد.
4- في حالة التضخم الناشئ عن زيادة الارتفاع في الأسعار وهو احدى حالات التضخم في الاقتصاد العراقي. فعلى البنك المركزي العراقي القيام بتنفيذ سياسات مالية ونقدية للتأثير على حجم السيولة النقدية المتداولة. وعلى الدولة أن تتخذ بعض الإجراءات الضرورية كتخفيض الإنفاق الحكومي البذخي وزيادة الضرائب على السلع الكمالية ومكافحة تهريب العملات الصعبة والحفاظ على المواد الخام والمواد الأولية من السرقة والتهريب .
5- بإمكان وزارة المالية المساهمة في تقليص الكتلة النقدية المعروضة من خلال قيامها ببيع حجم الدين العام إلى الجمهور مباشرة أو عبر مؤسساتها المالية مما يؤدي إلى سحب النقد الفائض في السوق ويقلل كميه العرض المتداول وبذلك يساهم في الحد من ارتفاع معدل التضخم.
6- يمكن تطبيق مبدأ الادخار الإجباري الذي يمكن بموجبه استقطاع جزء من رواتب الموظفين لفترة محددة وتوظيف الموارد المستقطعة في مشروعات إنتاجية ذات مردود مالي وإعادة الأموال المستقطعة إلى أصحابها مع فوائد نسبية على شكل دفعات شهرية أو فصلية بهدف تقليل النقد المتداول.
7- ضرورة رفع سقف الإنفاق الحكومي على المشروعات الإنتاجية التي تؤدي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي، وبالمقابل تخفيض الإنفاق على المشروعات الخدمية غير الأساسية التي لا تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين.
8- إصدار قانون منع الاحتكار سواء في الاستيراد أو التصدير ومحاربة احتكار الأسواق من قبل بعض المافيات وتجار الأزمات وتشجيع حرية العمل بمنح القروض الإنتاجية وتدعيم المشروعات الصغيرة من اجل زيادة الإنتاج المحلي .
9 - بإمكان الدولة رفع نسبة الاحتياطي القانوني في البنوك الحكومية والاهلية مما يؤدي الى تقليل السيولة النقدية لدى الافراد و البنوك والمؤسسات المالية الاخرى . فالسياسة النقدية معنية بالتصدي لظاهرة التضخم وخفض مستوياتها وخاصة التضخم الناشئ من الطلب الكلي.
10- في حالة الاستمرار في تصاعد معدلات التضخم فالبنك المركزي مطالب برفع اسعار الفائدة على الودائع بكافة أنواعها بهدف تشجيع الأفراد والشركات والمؤسسات على الادخار لإيداع أموالهم في المصارف، وبذلك يجري امتصاص نسب عالية من فائض السيولة النقدية من التداول والاحتفاظ بها بالبنك المركزي.
11- يستطيع البنك المركزي القيام بطرح سندات مالية لبيعها الى البنوك التجارية في سبيل سحب ما يمكن من السيولة النقدية في خزائن البنوك للحد من قدرتها على الائتمان.
والاستنتاج الذي نثبته
1- إن التضخم الراهن في العراق وارتفاع الأسعار لبعض المجاميع السلعية هو نتيجة منطقية لتدهور وتعطل قوى الإنتاج العاجزة عن توفير الكميات السلعية الكافية لسد طلبات السوق العراقية.
2- إن بعض جوانب التضخم الناشئ بالعراق هو تضخم مستورد بسبب ارتفاع التكلفة الكلية للمستوردات السلعية من الأسواق الدولية التي تعاني التضخم والركود الاقتصادي والبطالة والغلاء الفاحش والديون.
3- إن المعالجة الحقيقة لظاهرة التضخم في الاقتصاد العراقي هو بإعادة دوران عجلة التنمية الاقتصادية وتشغيل قطاعات الإنتاج المادي لتمويل الأسواق المحلية بحاجاتها من المنتجات والتعويض عن الاستيراد السلعي من الخارج. فتشغيل الطاقات الإنتاجية المتاحة والمعطلة ستوفر فرصا ذهبية لتشغيل جيوش العاطلين من القوى العاملة وتنشط حركة الأسواق المحلية. وبدون ذلك لا يمكن التصدي للتضخم والتخلص من تبعاته الاقتصادية والاجتماعية .
فاندماج الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الرأسمالي الدولي جعله معرضاً للإصابة بكافة أمراض وعدوى النظام الرأسمالي من تضخم وركود وكساد وغلاء فاحش وديون خارجية وارتفاع في أسعار المواد الأولية والسلع الغذائية وغيرها من التبعات الأخرى الملازمة للنظام الرأسمالي الدولي. ولهذا لا نجد مصلحة حقيقية لاقتصادنا الوطني من سياسة الانفتاح غير المخطط على الخارج والدخول في اتفاقيات غير متكافئة تحقق مصالح الطرف الأقوى وهي الدول الأجنبية على حساب مصالح العراق الوطنية.