مثير للسخرية والغثيان، التحذير الصادر عن أحمد جبريل، الحامل لصفة الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، من أن قوات جبهته "ستحرر" مخيم اليرموك الفلسطيني في العاصمة السورية، من "المجموعات المسلحة" التي تسيطر عليه، وبالقوة العسكرية، إذا فشلت الجهود السياسية في تحقيق ذلك، ومعروف أن قوى المعارضة السورية تمكنت من السيطرة على المخيم، بعد اشتباكات عنيفة مع عناصر جبهة جبريل، التي قاتلت هناك نيابة عن قوات الأسد، والمعروفة بأنها تحمل تحت يافطة فلسطين بندقية للإيجار لمن يدفع أكثر، وجبريل اليوم يوجه رسالته كالعادة إلى العنوان الخطأ، إذ يعتبر فشل الفصائل الفلسطينية المجتمعة في القاهرة، بالتوصل إلى حل سياسي لما يسميه أزمة مخيم اليرموك، بما يؤدي إلى انسحاب المسلحين منه، فإنه سيغزو المخيم لتحريره بالوسائل العسكرية.
مهم هنا التوقف عند جغرافيا الموقع الذي أطلق منه جبريل تصريحاته، فهو اختار السفارة الايرانية في دمشق، خلال احتفالها بذكرى الثورة، ليطلق تصريحاته عبر قناة المنار التابعة لحزب الله الإيراني اللبناني، عن "تحرير" مخيم اليرموك، الذي لم تتمكن قواته أصلاً من الصمود فيه، لإدراكه أن هناك تلازماً بين السياستين الإيرانية والسورية، وفي حديثه عن الوسائل العسكرية للتحرير، نسي جبريل أن قوات جبهته، التي يفترض أنها مكرسة لتحرير فلسطين، لم تطلق طلقة واحدة ضد "العدو الصهيوني" منذ عدة عقود، فيما لعلع رصاص بنادقها ضد الشرعية الفلسطينية في بيروت وطرابلس، خدمة لأهداف النظام السوري، الذي ظل يسعى على الدوام لرهن القرار الفلسطيني الوطني لسياسات دمشق ومناوراتها، وهو ما رفضه قطعاً الرئيس الراحل ياسر عرفات، ودفع لقاء ذلك ثمناً كبيراً، يعرفه جبريل ومن هم على شاكلته.
لعبة جبريل تتجاهل مصلحة الفلسطينيين المقيمين في سوريا منذ عدة عقود ، ويمكن القول إنها تراهن بها، وهي تستعدي المعارضة السورية عليهم، في حين أن موقف هؤلاء من ما يجري في سوريا هو الحياد، فأهل مكة أدرى بشعابها، كما أنهم لم يلقوا من نظام الأسدين الأب والإبن ما يدفعهم للدفاع عنه، ولعل غالبيتهم تشعر أن مصلحتها هي في التخلص منه، لكنها لاتقوم بأي جهد في هذا المضمار، احتراماً لحق السوريين في اختيار النظام الذي يحكمهم، والتزاماً بوضعهم كلاجئين، يعتبرون وجودهم على الأرض السورية مؤقتاً، حتى وإن كان بعضهم قومي المشاعر والقناعات، لكن جبريل غير معني بكل هذا، بعد أن تخلى منذ زمان بعيد عن أي مشاعر تجاه فلسطين، وكرس تنظيمه للدفاع عن أي نظام دكتاتوري شبيه بما هو سائد في جبهته.
أغلب الظن، وليس كل الظن إثماً، أن تصريح جبريل الناري، كان لتذكير مموليه بدفعة تأخرت، ذلك أن تاريخ الرجل يؤكد أن تنظيمه لم يطلق رصاصة واحدة، قبل أن يقبض ثمنها، وبغض النظر عن نتائج غزواته، التي بدأها في عمان في سبعينات القرن الماضي، حين انشق عن الجبهة الشعبية، بقيادة الراحل جورج حبش، محاولاً افتعال نزاع عسكري بين قوى الثورة، وواصلها في بيروت وطرابلس، ثم انتقل بها إلى ليبيا مؤيداً العقيد الجماهيري، وهاهو اليوم يحاول اختتامها في سوريا، نيابةً عن حماة الديار، وهو يدرك أن تصريحه فارغ من المضمون بشكل عملي، لأن الجيش السوري بكل ما يملكه من قوة، عجز عن "تحرير" المخيم، وبما يذكرنا بالمثل القائل، إجت الخيل تحذي.. قام الفار مد رجله.
أحمد جبريل.. الثورة الفلسطينية بريئة منك، ودم الشهداء من الثوار الأطهار يلعنك عند كل صلاة.
جبريل يهدد "بتحرير" اليرموك
[post-views]
نشر في: 13 فبراير, 2013: 08:00 م