TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الخوف الطائفي 1-2

الخوف الطائفي 1-2

نشر في: 15 فبراير, 2013: 08:00 م

أتفهم جيدا حيرة المالكي في كيفية التعامل مع التظاهرات التي تجتاح غرب العراق وشماله. كذلك أدرك سر التشنج في تصريحات مقربيه، من جانب، وتوسل وفوده من جانب آخر. فزخم التظاهرات يزداد رغم أن السلطة الحاكمة تخرج كل يوم بقرار لتنفيذ واحد أو أكثر من مطالب المحتجين. فما السبب؟

الجواب يمكن استقراؤه من لسان احد قادة التظاهرات، وهو رجل الدين السني سعيد اللافي، في مناظرة له قبل أيام مع حنان الفتلاوي، التي لا ادري إن كان يجوز لي ان أطلق عليها لقب "امرأة دين" شيعية. عرضت الفتلاوي على اللافي أن يأتي، على مسؤوليتها، لتأخذه الى سجون النساء كي يكتشف بنفسه عدم تعرضهن للتعذيب أو الاغتصاب. رفض اللافي عرضها مباشرة ومن دون ان يفكر به، قائلا انه يخاف الذهاب إلى هناك لأنه سيقتل. سألته الفتلاوي: إن كنتم تخافون الذهاب فكيف ستتفاوضون مع الحكومة؟ وقطعا، لو أن اللافي عرض عليها ان تأتي لساحة المظاهرات، على مسؤوليته أيضا، لتتأكد من انها لا تقف وراءها أجندات أجنبية، لرفضت عرضه للسبب نفسه. انه الخوف. القوم إذاً يخافون من بعضهم. أي، لا يثق احدهم بالآخر!

خوف السياسيين من بعضهم، قد لا يشكل خطرا كبيرا إذا حُصر في ما بينهم. لكن الطامة الكبرى انه انتقل الى مواطنيهم السنة والشيعة فصار خوفا جماعيا. والخوف الجماعي يتحول بالنتيجة الى هستيريا جماعية.

بتقديري، أن السنة المتظاهرين حتى لو أعطتهم الحكومة كل ما يريدون فلا أتصور أنهم سيفضون جمعهم، لانهم خائفون من قابل الأيام. لسان حالهم يقول: من يضمن ان الحكومة لا تعود غدا فتلقي القبض على أبنائنا أو علينا من جديد بعد أن تكشفت وجوهنا وأسماؤنا؟ وفي المقابل هناك خوف عند الشيعة، الذين يرون أنفسهم الأغلبية، من أن تعود بهم الحال إلى ما كانت عليه في أيام صدام. الحكومة تزداد قوة كلما زاد خوف الشيعة. وفعلا صار هو سندها الكبير فغذته وأججته كي تضمن بقاءها. وكلما زادت الحكومة قوة يزداد خوف السنة. وهذا ما يدفعهم للتفكير في وسائل تخيف الحكومة أكثر، كقرارهم الأخير للزحف نحو بغداد.

طائفتان تعيشان في وطن واحد، لكن كلا منهما تخاف الأخرى. انه خوف وليس كرها ولا ضغينة. وهو فعل طبيعي يفرضه الواقع على الناس ويجب ان لا يغيض أحدا مثلما يجب ان لا يتجاهله احد. المشهد هذا تتحمله الأحزاب الإسلامية والطائفية لانها رسخت قواعده وضيعت كل فرصة لتلافيه. 

أقولها، وبألم شديد، أني أرى أمامي صورة توأم سيامي، فيه الذي على اليسار خائف من الذي على يمينه فيهرب منه صوب اليسار. والذي على اليمين يخاف من أخيه الذي على يساره فيهرب صوب اليمين. وأنّى لمثلهما أن يمشيا على طريق واحد دون ان يعثرا او يسقطا عند أول خطوة؟

هل هي حقيقة مؤسفة؟ نعم. مرّة؟ نعم. محزنة مبكية؟ نعم. وهل من حلّ؟ نعم.

لحديث صلة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ضياء الجصاني

    استاذهاشم تحياتي التوترالذي يطفو على السطح لا علاقة له بالدين او المذهب وهؤلاء السياسيون الفاشلون لو كانوا فعلا على قدر ولو ضئيل من التقوى والتدين لكانوا على هدى من امرهم ولكنهم اناس هاجسهم السلطة والثروة لا غير فهم لا سنة ولا شيعةوهم قدامتهنوا السياسة

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram