أثارت زيارة مجموعة من المؤيدين للنظام السوري إلى دمشق، وإهدائهم عباءة للرئيس الأسد، باعتبار أنها من الشعب الأردني،استنكار العديد من الشخصيات السياسية والنقابية، التي استكثرت على هؤلاء التحدث باسم الشعب الأردني، دون أي تخويل، ودون امتلاكهم الحد الأدنى من القواعد الشعبية، التي تمنحهم هذا الحق، خصوصاً وأن موقف الجماهير الأردنية من ما يجري في البلد الشقيق معروفة ومعلنة وشديدة الوضوح، وهو موقف اتسم بتأييد معارضي الرئيس السوري، بغض النظر عن هوية هؤلاء المعارضين، والأنكى أن بعض وسائل الإعلام حسبت زائري العاصمة السورية على القوى القومية واليسارية، وهي قوى لم تتفق على دعم الأسد، مع وجوب ملاحظة حجم تأثير هذه القوى في الشارع الأردني، وهو تأثير محدود، تؤشر عليه نتائج أي انتخابات، سواء كانت نيابية أو بلدية أو نقابية.
متزعم الوفد الزائر قال، وقد انبهر بحفاوة الاستقبال إن الأهل في الأردن حملوه هذه العباءة، وأنطقها لتقول للرئيس بشار أنت الرائد، ونحن نقف من خلفك، وعلى يمينك ويسارك، وبحضورك وبغيابك، أنت الذي دوماً حاضر في عقولنا وضمائرنا ووجداننا، ووصف الأسد بأنه زعيم الأمة في بلاد الشام، وهذا كلام كبير نستكثر على رئيس دولة منتخب ديمقراطياً الجهر به، فكيف إن كان المتحدث لا يحمل أي صفة لتمثيل حتى النقابة التي ينتمي إليها، وكيف إن كان الوفد يضم شخصيات، وإن احترمناها بصفتها الشخصية، فليس باعتبارها ممثلة لأي فئة من الشعب الأردني، ونحترم حقها بتأييد الأسد، لكننا لم نمنحها حق التحدث نيابة عنا، وفيهم من يعرف ذلك، ويعترف به، منكراً أن الوفد تحدث باسم الأردنيين، مشيراً إلى أن "تقديم العباءة" هو لرمزيتها العروبية، وليس الأردنية بشكل خاص.
الزيارة كما تبين لاحقاً، جاءت استجابة لدعوة من القصر الرئاسي السوري لمجموعة من المؤيدين، كانوا زاروا السفير السوري في عمان، وألبسوه عباءة كالتي ألقوها على كتفي الأسد، كتعبير رمزي عن مبايعة عميد القوم، باعتبار أن الأسد عندهم هو عميد هذه الأمة، في حين اعتبر الرافضون للزيارة، أن العباءة المهداة للأسد ملطخة بدماء الشهداء السوريين، والمؤكد أن ليس للأردنيين علاقة بها، وفي حين يتحجج الزائرون بأن سوريا تتعرض لمؤامرة كونية إمبريالية لتفتيتها، فإن السؤال مشروع عن مسؤولية النظام الحاكم عن المشاركة في هذا التآمر، ومسؤوليته عن الانقسام الطائفي والمذهبي، الذي ضرب السوريين وعن تدمير المجتمع المدني والنقابات والأحزاب السياسية، وباختصار، إعادة سوريا إلى زمن الطوائف والمذاهب والعشائر.
خلاصة القول إن الوفد الزائر لدمشق لم يكن يمثل غير نفسه، وهو لم يكن مخولاً التحدث باسم الأردنيين أو العرب، وأن العباءة التي أهديت للأسد لم تكن أردنية، وأغلب الظن أن الوفد وجدها جاهزة عند وصوله إلى فندق الشام ذو الخمسة نجوم، حيث تمت استضافته، وأنها اشتريت من سوق متفرع عن سوق الحميدية، وأن ثمنها دفع بالليرة السورية، حتى وإن فقدت الكثير من قيمتها وقوتها الشرائية، ولأننا نعرف أن كل العباءات الموجودة في السوق الأردنية، مستوردة من العراق أو سوريا أو السعودية، لسبب بسيط هو عدم وجود مصنع للعبي في الأردن، وإذا كانت العباءة اكتسبت عند الأردنيين رمزها الإيجابي، فإنها لم تكرس يوماً لدعم قائد للأمة، ولنتذكر كم عباءة أهديت لصدام حسين، من قبل وفود زعمت تمثيلها للأردنيين