أقامت عاملة بريطانية دعوى ضد موظف حكومي مرموق، بتهمة القذف والتجديف، كونه عيّرها – أثناء مشادة عابرة—بأصولها البنغلاديشية (جد والدها من أصول هندية). انتصرت المحكمة للعاملة السمراء، الأجنبية الأصول ضد الوزير البريطاني سليل العوائل ذات الدماء الزرقاء.
هذه الواقعة، تستدعي استحضار حالات المنابزة بالألقاب، المتعاظمة، والتي تتعاظم في عراق اليوم، فذاك عجمي الأصول وذاك قوقازي الجذور، وتلك شركسية، وذاك عربي قح من سلالة قحطان والعرب العاربة، وذاك من نسل عدنان، والعرب المستعربة، وهذا مسلم سني حنفي وذاك مالكي، وذاك علوي، وذاك شيعي إمامي وذاك جعفري هذا صائبي وتلك مسيحية، وذاك قرمطي وذاك حساوي، وهذا زيد وذاك يزيد، وأولئك من رهط عائشة، وهؤلاء من زمرة أم معاوية، هند آكلة الكبود..،
هل يمكن إقناع العراقي الذي يعاير الآخر بنسب أو حسب، أو عراقة أصل ومنبت، أو أصالة دين او قومية او.. أو.. أن لا أحد - لاسيما في العراق -، مصفى ومزكّى، ودونما شائبة؟ فالعراق الذي كان على مر العصور مسرحا، موطئا، موطنا، مقاما، غازيا، محتلا.. لأقوام لا عد لها ولا حصر، في هجرات متعاقبة منذ فجر التاريخ، جعلت من الفرد العراقي الذي بلا شائبة نسب، أمرا في عداد المستحيل.
من عهد الساسانيين، إلى الفتح الإسلامي، للمغول، والتتر، لجنكيز خان وسليله هولاكو، لتيمور لنك، للحكم الصفوي، للعثماني، وقبلهم السومريون والكلدانيون والآشوريون، والبابليون، كل تلك الأقوام عبرت العراق، مقيمة ومرتحلة تجاوروا طوعا أو كرها، تحاربوا وتحابوا، وتاجروا، وتآخوا وتناحروا وتزاوجوا، وتناسلوا، فكان منهم ما يدعى الشعب العراقي، فبأي شرع، وبأي منطق يعير فلان فلانا بأصله وفصله وعرقه ومنبته؟ هلا عايروا بالكسل والتواكل، واللاإنجاز. وخراب الذمة، ونزعة العدوان وتأجيج الصراع، أو تلفيق التهم لبريء، أو أخذه بجريرة مذنب.
في سويسرا – مثلا وقياسا – والتي يتلاقى على أديمها أكثر من عشرين (رسا) يجرّم (بتشديد الراء) كل من تثبت عليه تهمة التنابز، حول دين أو مذهب او قومية، والكل تحت مظلة القانون.
بنفسي، ان ينبري جمهرة من القانونيين الأصلاء، يضغطون على أصحاب الشأن، باستحداث نص قانوني، يلاحق قانونيا، ويعاقب كل من ينابز، بعرق أو دين او قومية أو طائفة، باعتبارها جرائم قذف وتشهير وإساءة.
عسى أن لا ينبري أحدهم بإيراد مقولة كانت شائعة في الأيام الخوالي، وتستحضر الآن في اللحظات الحرجة: لا تقل أصلي وفصلي شمري، إنما أصل الفتى نوط اخضري
والنوط الأخضري، هو الورقة النقدية، التي كانت المجيدي والروبية أيام العثمانيين، وذات العشرة دنانير إبان الحكم الملكي، ورزم الماية دولار – الدفاتر -- في عراق هذي الأيام!