صورة التوأم السيامي الافتراضية لأخوين يخافان من بعضهما، التي حدثتكم عنها بعمود الأمس، تحتاج حلا سريعا من قبل أولياء أمورهما. وإلا فحياتهما مع بعض ستكون جحيما، إن لم أقل مستحيلة. الحل، أولا وأخيرا، لا يتم من دون استئصال الخوف الذي صار يتحكم بطريقة سلوكهما ومشيتهما. كيف؟
مثلما هناك علاجات مضادة للكآبة والقلق فهناك مضادات للخوف تكبح إفراز الهورمونات التي تسببه، من جانب، وتقوي إفرازات الهورمونات الطبيعية التي تقاومه، من جانب آخر.
المتظاهرون السنة لم يخفوا خوفهم من سياسات رئيس الحكومة تجاههم ويطالبون برحيله، ضمنا أو صراحة، مما يعكس، بشكل أو بآخر، عدم ثقتهم به. تشاركهم في عدم الثقة هذه كتل برلمانية سعت علنا إلى سحب الثقة عنه، لكنها أخفقت. وهذا لا يعني أنها صارت تثق به، لأن فشل المسعى لا ينهي النوايا. أما خوف الشيعة فيتجسد في تصورهم أن خروج المالكي يعني ضياع السلطة من أيديهم.
واضح أن الكتل السياسية برمتها لا تعترض على منح كرسي رئاسة الوزراء لشيعي. وعلى ساسة التحالف الوطني أن يبددوا خوف الشيعة من خلال إشاعة أن المكون لا يتجسد بشخص واحد كما يروج أعضاء كتلة القانون. وهنا يصبح استبدال المالكي بآخر من التحالف الوطني جرعة أولية لتقليل شدة الخوف عن الطرفين، السني والشيعي، إلى درجة أقل من النصف. الهدف هو إرساء لبنة أولى من لبنات إعادة الثقة بين الأطراف الخائفة من بعض.
وإن كان التحالف الوطني يريد حلا جذريا لإلغاء الفوبيا الطائفية فأمامه خيار، وإن كان صعبا لأسباب معروفة، وهو أن يرشح، من كتلته، رئيس وزراء غير إسلامي. وإن كنت سأبدو مثاليا بنظر البعض، سأقترح عليهم أن يسعوا عند البرلمان لاستصدار قانون يحرم تسلم رئاسة أي من السلطات الثلاث لإسلامي أو منتم لحزب إسلامي. وذلك لقطع دابر الخوف الطائفي من جذره. المثل يقول اللي يريد شي يعوف شي.
أما إذا تعذر الحل السابق، فالبديل الذي لا بد منه هو فصل التوأم عن بعضهما بعملية جراحية وليتحمل الجميع ما يصاحب تلك العملية من وجع ومخاطر. لا بدّ مما ليس منه بدّ.
الفصل الجراحي له سند دستوري واضح عن طريق الفدرالية. هنا لا أنكر أن أطرافا سنية وشيعية لا يستهان بها ترفضه. ليس إسلامييهم، حسب، بل وبعض علمانييهم ومثقفيهم أيضا. كل له أسبابه وقناعاته. لكنهم في المقابل لا يعطوننا مبررا واحدا لرفضهم الفيدرالية سوى صيحة "إخوان سنة شيعة"، التي أثبتت التظاهرات والتظاهرات المضادة من الجانبين أنها مجرد شعار خادع.
انفصال التوأم جسدياً لا يلغي أخّوتهما، ولا انتماءهما لأمهما العراق، بل سيحررهما من نزاع الإرادات حول تفاصيل العيش ليرتاحا ويريحا البلاد والعباد.
أما آن لهذا الخوف الراكب على صدور العراقيين أن يترجل؟