تؤشر التظاهرات العارمة التي اندلعت الجمعة في مناطق مختلفة في الضفة الغربية، إلى حالة الاحتقان التي يعيشها المواطن الفلسطيني تحت الاحتلال، وفقدانه أي أمل بالتوصل إلى اتفاق مع حكومة اليمين الصهيوني، يسمح بوضع حل الدولتين موضع التنفيذ، خصوصاً وهو يشاهد انتشار المستوطنات، وتكاثرها كالفطر، مع ما يرافق ذلك من تجاهل المجتمع الدولي، وإذا كان عنوان تظاهرات "جمعة كسر الصمت" جرت تحت يافطة التضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام، الذين تدهورت أوضاعهم الصحية، وتحدثت تقارير حقوقية عن إمكانية موتهم، فإن الأسباب الداعية لاندلاعها أكثر من أن تحصى، وكلها من صنع التعنت الصهيوني.
سجن عوفر غرب رام الله كان الساحة الرئيسية للتظاهرات وقد شهد أعنف المواجهات، حين انتهى الفلسطينيون من أداء صلاة الجمعة التي دعت لها لجان المقاومة الشعبية، وسارعت قوات الاحتلال إلى إطلاق النار عليهم معلنةً أن الموقع هو منطقة عسكرية مغلقة، ما دفع مئات الشبان الذين قدموا من مناطق مختلفة من الضفة إلى العودة لسلاح الانتفاضة الأول وهو الحجارة، وعاد جنود الاحتلال سيرتهم الأولى، بما اعتادوه من عنف وبطش، حين ردّوا على المتظاهرين بقنابل الغاز والرصاص المطاطي، ما أدى إلى إصابة نحو 150 بحالات اختناق شديدة، واستقبل مجمع فلسطين الطبي برام الله عديد الإصابات بالرصاص المطاطي والحي، وصفت بالخطرة، فيما أصيب خلال المواجهات أربعة صحفيين على الأقل.
لم تكن رام الله وحدها فقد شاركتها قرية العيساوية بالقدس المحتلة، حين هدمت شرطة الاحتلال خيمة التضامن مع الأسير المضرب عن الطعام منذ 206 أيام سامر العيساوي، في حين شهدت مناطق مخيم العروب، وحاجز الجلمة في جنين، وقرى المواجهة الأسبوعية في بيت لحم ورام الله ونابلس وقلقيلية تظاهرات عارمة، أصيب خلالها العشرات بحالات اختناق وبالرصاص المطاطي، وسط دعوات لكافة الفلسطينيين إلى الانخراط في المواجهة أمام السجون ونقاط الاحتكاك، كي لا يُترك الأسرى وحدهم أمام انتهاكات الاحتلال في السجون، حيث يواصل الأسرى إضرابهم رغم الاستهتار الإسرائيلي بحياتهم ما فجّر الأوضاع، وتحولت فعاليات التضامن معهم إلى انتفاضة ومقاومة ومواجهة.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يكن بعيداً عن نبض شعبه، فقد زار خيمة التضامن في البيرة، ليؤكد أنه كما حقق النضال الفلسطيني الدولة قبل شهرين، فإنه سيحقق الإفراج عن كل الأسرى ، وأشار إلى أن السلطة الفلسطينية تطرق كل الأبواب، العربية والدولية والأممية، لتحريك ملف الأسرى، وجدد التأكيد على ربط العودة إلى المفاوضات، بالإفراج عنهم ووقف الاستيطان الإسرائيلي، وطالب الحكومة الإسرائيلية بتطبيق ما عليها من استحقاقات، متفق عليها بخصوص الإفراج عن كافة الأسرى من المعتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو، وكشف أن قضية الأسرى ستكون على رأس المباحثات لدى زيارة وفدين أميركيين إلى الأراضي المحتلة ، الأول برئاسة وزير الخارجية، وآخر برئاسة الرئيس الأميركي باراك أوباما.
الواضح اليوم، وبعد جمعة كسر الصمت، أننا أمام إرهاصات انتفاضة فلسطينية، إن لم يتم تدارك الأمر قبل اندلاعها، فإنها ستقلب الكثير من الأوضاع، وتنسف الكثير من المعادلات، وإذ لم يعد بمقدور السلطة التوصل إلى أي تفاهمات مع القيادة اليمينية في إسرائيل، لتعنتها وتجاهلها لأبسط الحقوق الإنسانية للفلسطينيين، وإذ يفقد المواطن الفلسطيني أي أمل باجتياز عنق الزجاجة الذي يجد نفسه محشوراً فيه، فإن على حكومة نتنياهو تحمل نتائج القادم من الأيام، وليس هذا كل شيء، فالعالم كله سيتحمل تلك النتائج، التي لم يجهد نفسه في منع الوصول إليها، رغم كل الجهد الفلسطيني في هذا المجال.
جمعة كسر الصمت
[post-views]
نشر في: 16 فبراير, 2013: 08:00 م