ليس صحيحاً أن الحياة السياسية عندنا كلها سوداء وقاتمة، فهناك جوانب مضحكة كثيرة، بل وساخرة، ولمن لا يصدق عليه مطالعة التصريح الأخير للسيد علي الموسوي المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء حول "تهكير" موقع السيد المالكي.. حيث كشف لنا السيد المستشار فصولاً ممتعة وجديدة من كوميديا السياسة العراقية.. فقد تبين ان البلاد لا تعاني من انقسام طائفي، ولا فوضى عارمة، وان الخدمات على أحسن ما يرام، وان السيد رئيس الوزراء فرح بما تحقق خلال السنوات الماضية ولم ينغص عليه فرحته هذه سوى "ثلة" من الأعداء مارسوا القرصنة ضد موقعه الالكتروني، وفي رد على سؤال حول موقف المالكي من قيام قراصنة باختراق موقعه قال السيد علي الموسوي "إن رئيس الوزراء تلقى هذه الأنباء في المرتين السابقتين التي هوجم فيهما موقعه بألم لأنه مصدر مهم عن نشاطاته ووسيلة مهمة من وسائل الاتصال"، وأوضح الموسوي أن "حجب الموقع بسبب هجوم القراصنة قد عرقل إعلام رئاسة الوزراء لكننا نجحنا ان نؤمن هذه الاتصالات عبر وسائل أخرى وخاصة الاتصالات الهاتفية للتعويض".
إذن ايها العراقيون لا تيأسوا، الموقع عاد إلى العمل، وستطلعون من خلاله كل يوم على انجاز كبير يسعد الملايين.
ربما سيسأل المواطنون، ماذا سيقدم مكتب رئيس الوزراء في برنامجهم الترفيهي على الموقع الالكتروني؟، أتوقع أن نجد في الموقع من سيكتب أن الحكومة لا تزال تواصل في برنامجها الطموح برنامجاً لتحديث المجتمع العراقي وانتشاله من مستنقعات التخلف والأمية، وحتما سيخبرنا القائمون على الموقع بأن رئيس الوزراء تسلم تركة ثقيلة وان الأوضاع كانت غاية في السوء، وحتما سيذرف العراقيون الدموع إشفاقا على مسؤولين حملوا أمانة تنوء بحملها الجبال، إلى الحد الذي سيدفع بعض متصفحي الموقع إلى الانتحار حزنا لما يتعرض له مسؤولونا الكبار من متاعب وأهوال، وحتما سوف لا يغادر الموقع الالكتروني للسيد رئيس الوزراء كبيرة ولا صغيرة في عصرنا السعيد إلا ويعتبرها إنجازا حكوميا، إذ تتعدد الإنجازات وتتنوع من تحسين الخدمات وحتى القضاء على البطالة وتطوير قطاعات التربية والتعليم والصحة، مرورا بالإنجازات العملاقة في مجال الكهرباء والإسكان والطرق والجسور، باختصار نحن مع موقع يقدم العراق وكأنه جنة على الأرض، كي نؤمن لماذا صدم المالكي وتألم لان مجموعة من الاعداء "قرصنوا" موقعه الالكتروني؟ وهو الأمر الذي لم يحصل حين تحول البلد إلى مقاطعات خاصة لمجموعة من السياسيين، ولم يحصل والبلاد على شفا هاوية بسبب الصراع على المكاسب والمغانم، ولم يتألم من الفشل الحكومي الذي رافقنا سبع سنوات، ولا من تدمير الحياة المدنية، ولم يتألم وهو يرى كيف يبيع مقربوه الوهم الى الناس على انه منجزات ستتذكرها الاجيال القادمة، السيد الموسوي كنا نتمنى لو اخبرتنا ان المالكي تألم للانتهاكات التي تقوم بها القوات الأمنية مع المواطنين، تألم لان عجلة الحياة متوقفة في بلد تجاوزت ميزانيته المئة مليار دولار، لكن يبدو ان السيد الموسوي لا يرى فارقا بين ادارة الدولة وإدارة موقع الكتروني، فمادام هناك خطب وشعارات وتظاهرات مؤيده فكل شيء على ما يرام.. أما حجم الخراب، وشبح الطائفية المقيت الذي يتجول في شوارع مدن وقرى العراق فهو مجرد أوهام تعشش في عقول مجموعة من الذين ينفذون اجندات اجنبية. فادارة الدولة في عرف اصحاب الموقع الالكتروني هي ان تجلس على أطلال الخراب وتستمتع بانتصارك على الآخرين، وتغضب عندما تطالبك الناس بأن تنفذ وعودك.. وتلتزم ببنود العقد الذي على أساسه استلمت المنصب، وان تترك غريزة خاصية الالتهام، التي لا تعني في النهاية سوى شيء واحد، هو ان يكون المسؤول وحده، لا يقاسمه احد، ولا يراجعه احد.
السيد الموسوي الناس ليست بحاجة الى مسؤول يتألم من اجل موقعه الالكتروني.. وانما بحاجة الى مسؤول يتألم حين يشعر بأن الناس تتخبط في التيه والعتمة وسط أجواء من نقص الخدمات والرشوة والانتهازية، وغياب العدالة الاجتماعية، وهشاشة الوضع الأمني، وتصاعد الخطاب الطائفي المقيت.. فاذا كانت كل هذه المآسي لا تجعل السيد المالكي يتألم ولا تدعوه لوقفة جادة لمراجعة النفس ومحاسبتها.. فليقل لنا السيد الموسوي إذن متى تتألمون؟؟
وفي الختام تهانينا للسيد المستشار الاعلامي لانه استطاع ان يدحر الاعداء ويعيد الحياة لموقع رئيس الوزراء الالكتروني.. وخالص العزاء للعراقيين جميعا الذين لم يجدوا حتى هذه اللحظة من يتألم لمعاناتهم.
بين "قرصنة" وطن.. و"قرصنة" موقع الكتروني
[post-views]
نشر في: 16 فبراير, 2013: 08:00 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 2
كاطع جواد
حقهم والله حقهم الناس كانوا محرومين من ممارسة هواية التصفح والفيس بوك والمواقع الالكترونية ..أليست هذه هي الحضارة متمثلة بعصر الانترنيت اما موضحة الكهرباء والصرف الصحي والارصفة فهي أمور لا تشغل بال السادة المسؤولين لانها أمور يقوم بها عامل كهرباء او عام
محمد سعيد
يبدو ان السيد المستشار الاعلامي والبطانه التي تلتف حول السيد زعيم المله جاءت من مريخ الاوهام بان تصليح الموقع اللالكتروني لزعيم الامه مع السخاء وشراء الذمم ببذخ موارد الشعب هو في عينه من اوليات التنميه والتحديث التي تحققت بتجاح مفرط من خلال التوكيد علي