TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > علي دواي لازم

علي دواي لازم

نشر في: 16 فبراير, 2013: 08:00 م

هذا اسم رجل مخلص وطيب في فترة خائنة وخبيثة. انه محافظ العمارة، أو ميسان. أول ما يلفت انتباهك فيه عند رؤيته بدلته العمالية الزرقاء. الله يستر! هل هي "عدة نصب" لكي يظهر الرجل نفسه شغيلا ومتواضعا أم أنه مظهر يدل حقا على مخبر؟ الشك يتقدم على الثقة دائما في عمل الصحفي. هذه قاعدة من قواعد العمل بهذه المهنة في كل مكان. لكنها أكثر من ذلك في بلادنا الواقعة في الصدارة من قائمة الدول الفاسدة في العالم.
خلال استقباله في مكتبه لمجموعة صحفيين كنتُ بينهم، أجاب على تساؤلاتنا من دون تعثر أو تلكؤ، في جلسة جاوزت الساعتين. من همته في الحديث، التي بقيت متقدة من البداية الى النهاية، تعرف على الفور ان الرجل "طاقة" لا تفتر ولا تنعس. هذا جيد. لكن "الطاقة" أو "الحيوية" ليست أحادية الاتجاه، اذ يمكن أن تأخذ هذا الشكل أو ذاك، هذه الطريق أو تلك.
الانطباع الثالث ان تلك "الطاقة" منظمة. فهو يتكلم بمنهج، ويسترسل بترتيب، لا يقفز من موضوع الى آخر، وإنما يستنفد أهم جوانب الموضوع، قبل الإنتقال الى ملف آخر. نحن قد نستعجل، لكنه يعيدنا الى "النظام". ولم يكن نظامه، رغم جديته، مملا. لكنه لم يكن مُسِّرا دائما بالنسبة الى بعض أصدقائنا المدخنين. فالتدخين ممنوع في المكتب حسب القانون. وعلى المدمنين الصبر أو الاستئذان لتسكين الأعصاب خارج المبنى ثم العودة.
الإنطباع الملفت الرابع أن الرجل على مدى ساعتي الحديث لم يقترب ولم يطرق باب السياسة. وسنكتشف ان سبب ذلك بسيط، وهو أن لدى الرجل ما يفعله، لديه شغل!
الانطباع الخامس ان الرجل "حافظْ" مجالات عمله حفظَ خبرة ودراية لا حفظ درخ وتلقين. فهو يعرف كل ما قامت وما تقوم به المحافظة من أعمال تقع في نطاق اختصاصه، لأنه، كما سنتحقق لاحقا، مهتم اهتماما حقيقيا بذلك الركن الأساس في عمل الإدارة، وهو "المتابعة"، وفوقها الاشراف الميداني الدائم على تنفيذ المشاريع أو أعمال الإصلاح. فإذا ما وقع خلل تسبب بقطع الكهرباء عن أحد الأحياء، مثلا، يذهب بنفسه مع الفريق الفني المسؤول، ويبقى معه مهما استغرق الوقت، حتى التأكد من اصلاح العطل.
هذا ما عرفناه بعد خروجنا من مكتبه والبقاء في العمارة ليومين. فالرجل جوال دوار في أنحاء المحافظة ببدلته الزرقاء ليل نهار، لا يرتاح الى "كرسي" المحافظ، ولا يتخيط به، وإنما يستخدمه على قدر الحاجة منه، ولا ينفق عليه أكثر من الوقت اللازم للعمل المكتبي الفعلي. احدى النتائج الباهرة لكل هذا الإخلاص توفر الكهرباء في العمارة لمدة 24 ساعة!هناك نتيجة باهرة أخرى هي ان المحافظة أنجزت 95 من مجاري الصرف الصحي. فخلال 18 ساعة استوعبت هذه المجاري مياه الأمطار الهائلة التي سقطت في 26 كانون الأول الماضي. كما ان مركز المحافظة والأغلبية من أقضيتها ونواحيها قالت "وداعا للنزَّاح" بعد أن وجدت "المياه الثقيلة" طرقا سالكة الى مجاري الصرف.
وعلى طريقة "بضدها تتميز الأشياء" يمكن التحقق من المنجز العمارتلي بمقارنته بالبؤس البغدادي على صعيدي الكهرباء ومجاري الصرف. فـالتحسن يسير مسيرة السلحفاة في الأولى. و"النزَّاح" يصول ويجول في حي الحسينية (الراشدية)، أحدى ضواحي بغداد التي فيها من السكان ما يقارب عدد سكان العمارة.
صديقنا العزيز فاضل النشمي كان قد زار العمارة عام 2007 . قال: يومذاك كان يجب اعلانها مدينة منكوبة لكنها قطعا بالقياس الى ذلك الوقت أصبحت اليوم مدينة معمورة. تجولنا فيها. القادم اليها من مدينة مجنونة ومرعبلة كبغداد يراها طبيعية في النهار. هادئة ورائقة في الليل: شبان ورجال يتمشون بوجوه آمنة. العوائل تجلس أو تمشي في متنزه قريب من الكورنيش. هناك اقتربت من مراهق وتحدثت معه. تبين إنه دخل سوق العمل وهو في هذا العمر لفشله في التعليم. مهنته مصلِّح دراجات هوائية. دار الكلام وانساب بيننا الى أن فاجأته بسؤال عن رأيه بالمحافظ. قال: يخبل!
هو كذلك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. كاطع جواد

    في عراقنا اصبح العمل الناجح للمسؤول مثيرا للتسائل والغرابة بعد ان كان العمل الفاشل حالة شاذة بكل المقايس ...ما هو السر ياترى ؟..هل قدرنا ان نبقى نتحسر على المنجز الذي نتمنى ان نحصل عليه ؟ ثم ما سر هذا الرجل ؟ ولماذا لا تعمم تجربة محافظة العمارة وما يق

  2. الاعلامي محمد الزبيدي

    سيدي الكريم كل والود والاحترام للسيد علي دواي لازم انا ابن هذه المدينه لكن اسالك هل قمت بزيارة الاحياء الفقيره التي مازالت ترزح تحت وطئة الفقر والحرمان والنقص الكبير لاغلب مرافق الحياة كالماء وتكدس النفايات وانتشار الاوبئة والقائمه تطول انت تحدثت عن الكهر

  3. علي محمد الجيزاني

    ماشفت في بغداد مثل هذا الرجل المخلص في عملة وإنما شفت في بغداد مسؤولين لابسين قوط. فاخرة وأربطة عنق وسيارات ( توب) يحلمون بها كانو سابقا ورواتب عالية وسرقات بدون تقديم خدمات للمواطن مع الأسف على سبيل المثال في مدينة الشعلة او الصدرين قبل أكثر من ثلاثة سنو

  4. عمر الصابر

    لايمكن ان نقول ان هذا المسؤول جيد او غير جيد سوى الرجوع الى عمله فمحافظ العمارة السيد علي لازم اعماله وانجازاته في المحافظه هي التي تتكلم عنه

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram