.. في ذلك الزمان القديم تعارف الناس أن يسدي الكبار النصح للأصغر سنا و أن يردوهم عن الخطأ و أن يفضوا مشاجراتهم الصبيانية دون أن ينتهي الأمر بمجزرة بين الأهالي أو حروب أشبه بحرب العيارين والشطار .
لكن الأمر بدا مختلفا بالنسبة لي عندما بدأت أوليى محاولاتي للسير على الطريق ..في البداية واجهتني نظرات غيظ مكتوم من المعتدين الصغار , تشي بكلمات لم يجسروا أن ينطقوها.. بمرور الوقت اكتشفت أن مجرد نطق كلمة على كيفك ابني .. أو عندما تحاول فتح باب الكيا وتصعد إليها أثناء سيرها .. فتشاهد في أعين السائق العنف والشدة طبعا لطبيعة السواق والراكبين .... وكأنك فتحت بابا للجحيم !!.فردود الفعل تتراوح و تختلف طبقا لطبيعة المعتدي و نوعية الناصح وكثيرا ما يصل الأمر لمعركة دموية. أما في حالتي الخاصة فأحمد الله أن الأمر كان يقتصر على نظرة ضيق أو كلمة وأنت شعليك !! مصحوبة بنظرات توحي برغبة في إطلاق سيل من العبارات المهينة, لا يمنع تدفقها إلا تجهمي و نظارتي الطبية .!!.بمرور الوقت و بفعل تكرار التجارب المحبطة و الإحساس بالعجز أمام طوفان الألفاظ و السلوكيات غير اللائقة الذي بات يحاصرنا في الشوارع و تسرب إلى بعض المدارس والكليات , .اكتفيت بدور المتفرج الممتعض..
في هذه المرة انتزعت قسرا , أو ربما بإرادتي من مقعد المتفرجين...للوهلة الأوليى لم أفهم ما يدور حولي..وجدت نفسي وسط حلقة من الصبية يرتدون زيا مدرسيا واحدا, يتلاسنون بسباب مقزز لإزكاء نيران معركة تشابك بطلاها بالأيدي. بصعوبة.شققت طريقي خارج الدائرة .ما أن أصبحت بعيدة عن مرمى ركلاتهم حتى غلبني فضولي فاستدرت لأرقب الموقف..الزي لمدرسة أهلية محترمة لا يملك أن يدفع مصروفاتها إلا من يطلق عليهم علية القوم أو المجتمع , أما الألفاظ المتطايرة في الهواء فحدث عنها و لا حرج!!
فجأة وجدت بالقرب من موطئ قدمي جسد أحد الخصمين في محاولتي المستميتة لإنقاذ رأس الصبي من الارتطام بحافة الرصيف طوح المعتدي يده فطارت نظارتي عن وجهي.. في تلك اللحظة فقط وقبل أن أنبس بكلمة انفض غبار المعركة و قفز المعتدي و المعتدى عليه هاربين.
في طريقي إلى سيارتي ترددت في سمعي كلمات احد المارة الذي لملم أشلاء نظارتي وهو يقول : دكتورشورطك مع هؤلاء الشياطين ... طلاب همة لو أولاد شوارع ؟
لم أجبه....أطبقت فمي ونجوت بأعجوبة من لكمة كادت أن تكحل عيني بلون أزرق غامق بعد أن طارت نظارتي الطبية في الهواء و استقرت مهشمة بجوار الرصيف الذي تعلوه لافتة إحدى المدارس الراقية التي يدفع أولياء الأمور من قلوبهم مصروفاتها حرصا على مستقبل أبنائهم علميا وخلقيا .