TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > وسط طلاب محترمين !

وسط طلاب محترمين !

نشر في: 17 فبراير, 2013: 08:00 م

.‏. ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏الزمان‏ القديم  ‏تعارف‏ ‏الناس‏ ‏أن‏ ‏يسدي‏ ‏الكبار‏ ‏النصح‏ ‏للأصغر‏ ‏سنا‏ ‏و‏ ‏أن‏ ‏يردوهم‏ ‏عن‏ ‏الخطأ‏ ‏و‏ ‏أن‏ ‏يفضوا‏ ‏مشاجراتهم‏ ‏الصبيانية ‏دون‏ ‏أن‏ ‏ينتهي‏ ‏الأمر‏ ‏بمجزرة‏ ‏بين‏ ‏الأهالي‏ ‏أو‏ ‏حروب‏ ‏أشبه‏ ‏بحرب‏ ‏العيارين والشطار . ‏

لكن‏ ‏الأمر‏ ‏بدا‏ ‏مختلفا‏ ‏بالنسبة‏ ‏لي‏ ‏عندما‏ ‏بدأت‏ ‏أوليى ‏محاولاتي‏ ‏للسير‏ ‏على‏ ‏الطريق  ..‏في‏ ‏البداية‏ ‏واجهتني‏ ‏نظرات‏ ‏غيظ‏ ‏مكتوم‏ ‏من‏ ‏المعتدين‏ ‏الصغار‏ , ‏تشي‏ ‏بكلمات‏ ‏لم‏ ‏يجسروا‏ ‏أن‏ ‏ينطقوها‏.. ‏بمرور‏ ‏الوقت‏ ‏اكتشفت‏ ‏أن‏ ‏مجرد‏ ‏نطق‏ ‏كلمة‏ ‏على كيفك ابني ‏.. أو عندما  ‏تحاول‏ ‏فتح‏ ‏باب‏ الكيا  ‏وتصعد إليها  ‏أثناء‏ ‏سيرها .. فتشاهد في أعين السائق العنف والشدة طبعا لطبيعة السواق والراكبين .... وكأنك فتحت بابا للجحيم ‏!!.‏فردود‏ ‏الفعل‏ ‏تتراوح‏ ‏و ‏تختلف‏ ‏طبقا‏ ‏لطبيعة‏ ‏المعتدي‏ ‏و‏ ‏نوعية‏ ‏الناصح‏ ‏وكثيرا‏ ‏ما‏ ‏يصل‏ ‏الأمر‏ ‏لمعركة‏ ‏دموية‏. ‏أما‏ ‏في‏ ‏حالتي‏ ‏الخاصة‏ ‏فأحمد‏ ‏الله‏ ‏أن‏ ‏الأمر‏ ‏كان‏ ‏يقتصر‏ ‏على‏ ‏نظرة‏ ‏ضيق‏ ‏أو‏ ‏كلمة‏ ‏وأنت‏ شعليك ‏!! ‏مصحوبة‏ ‏بنظرات‏ ‏توحي‏ ‏برغبة‏ ‏في‏ ‏إطلاق‏ ‏سيل‏ ‏من‏ ‏العبارات‏ ‏المهينة‏, ‏لا‏ ‏يمنع‏ ‏تدفقها‏ ‏إلا‏ ‏تجهمي‏ ‏و‏ ‏نظارتي‏ ‏الطبية‏ .!!.‏بمرور‏ ‏الوقت‏ ‏و‏ ‏بفعل‏ ‏تكرار‏ ‏التجارب‏ ‏المحبطة‏ ‏و‏ ‏الإحساس‏ ‏بالعجز‏ ‏أمام‏ ‏طوفان‏ ‏الألفاظ‏ ‏و‏ ‏السلوكيات‏ ‏غير‏ ‏اللائقة‏ ‏الذي‏ ‏بات‏ ‏يحاصرنا‏ ‏في‏ ‏الشوارع‏ ‏و‏ ‏تسرب‏ ‏إلى‏ ‏بعض المدارس والكليات ‏ , .‏اكتفيت‏ ‏بدور‏ ‏المتفرج‏ ‏الممتعض‏..‏

في‏ ‏هذه‏ ‏المرة‏ ‏انتزعت‏ ‏قسرا‏ , ‏أو‏ ‏ربما‏ ‏بإرادتي‏ ‏من‏ ‏مقعد‏ ‏المتفرجين‏...‏للوهلة‏ ‏الأوليى ‏لم‏ ‏أفهم‏ ‏ما‏ ‏يدور‏ ‏حولي‏..‏وجدت‏ ‏نفسي‏ ‏وسط‏ ‏حلقة‏ ‏من‏ ‏الصبية‏ ‏يرتدون‏ ‏زيا‏ ‏مدرسيا‏ ‏واحدا‏, ‏يتلاسنون‏ ‏بسباب‏ ‏مقزز‏ ‏لإزكاء‏ ‏نيران‏ ‏معركة‏ ‏تشابك‏ ‏بطلاها‏ ‏بالأيدي‏. ‏بصعوبة‏.‏شققت‏ ‏طريقي‏ ‏خارج‏ ‏الدائرة‏ .‏ما‏ ‏أن‏ ‏أصبحت‏ ‏بعيدة‏ ‏عن‏ ‏مرمى ‏ركلاتهم‏ ‏حتى‏ ‏غلبني‏ ‏فضولي‏ ‏فاستدرت‏ ‏لأرقب‏ ‏الموقف‏..‏الزي‏ ‏لمدرسة‏  أهلية محترمة ‏ ‏لا‏ ‏يملك‏ ‏أن‏ ‏يدفع‏ ‏مصروفاتها‏ ‏إلا‏ ‏من‏ ‏يطلق‏ ‏عليهم‏ ‏علية‏ ‏القوم‏  أو ‏المجتمع‏ , ‏أما‏ ‏الألفاظ‏ ‏المتطايرة‏ ‏في‏ ‏الهواء‏ ‏فحدث‏ ‏عنها‏ ‏و‏ ‏لا‏ ‏حرج‏!!‏

فجأة‏ ‏وجدت‏ ‏بالقرب‏ ‏من‏ ‏موطئ‏ ‏قدمي‏ ‏جسد‏ ‏أحد‏ ‏الخصمين‏ ‏في‏ ‏محاولتي‏ ‏المستميتة‏ ‏لإنقاذ‏ ‏رأس‏ ‏الصبي‏ ‏من‏ ‏الارتطام‏ ‏بحافة‏ ‏الرصيف‏ ‏طوح‏ ‏المعتدي‏ ‏يده‏ ‏فطارت‏ ‏نظارتي‏ ‏عن‏ ‏وجهي‏.. ‏في‏ ‏تلك‏ ‏اللحظة‏ ‏فقط‏ و‏قبل‏ ‏أن‏ ‏أنبس‏ ‏بكلمة‏ ‏انفض‏ ‏غبار‏ ‏المعركة‏ ‏و‏ ‏قفز‏ ‏المعتدي‏ ‏و‏ ‏المعتدى ‏عليه‏ ‏هاربين‏.‏

في‏ ‏طريقي‏ ‏إلى ‏سيارتي‏ ‏ترددت‏ ‏في‏ ‏سمعي‏ ‏كلمات احد المارة ‏ ‏ ‏ ‏الذي‏ ‏لملم‏ ‏أشلاء‏ ‏نظارتي‏ ‏وهو‏ ‏يقول‏  :‏ ‏دكتورشورطك مع هؤلاء الشياطين ... طلاب همة لو أولاد شوارع ؟

لم‏ ‏أجبه‏....‏أطبقت‏ ‏فمي‏ ‏ونجوت بأعجوبة ‏ ‏من‏ ‏لكمة‏ ‏كادت‏ ‏أن‏ ‏تكحل‏ ‏عيني‏ ‏بلون‏ ‏أزرق‏ ‏غامق  ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏طارت‏ ‏نظارتي‏ ‏الطبية‏ ‏في‏ ‏الهواء‏ و‏ ‏استقرت‏ ‏مهشمة‏ ‏بجوار‏ الرصيف الذي تعلوه ‏‏ ‏لافتة‏ ‏إحدى‏ ‏المدارس‏ ‏الراقية‏ ‏التي‏ ‏يدفع‏ ‏أولياء‏ ‏الأمور‏ ‏من ‏قلوبهم‏ ‏ ‏ ‏مصروفاتها‏ ‏حرصا‏ ‏على‏ ‏مستقبل‏ ‏أبنائهم‏ ‏علميا‏ ‏وخلقيا‏ .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram