TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "دولمة" مؤسسات

"دولمة" مؤسسات

نشر في: 17 فبراير, 2013: 08:00 م

أكثر العراقيين يعلق آماله على المجهول لتحقيق هدف ما ، وفي بعض الأحيان ،يخفي سره لكي لا يصاب بعين الحسد ، وفي داخله شكوك من إحباط  أمنيته ، بفعل إجراءات روتينية مستعارة من زمن الاحتلال العثماني ،   وكتابنا وكتابكم ، أو نتيجة الضوابط الصارمة المعتمدة في انجاز  معاملة ما ، والعراقي المعروف بأنه يتمتع بروح الصبر والمصابرة ، لم  يفكر بالتراجع ويظل يواصل المسيرة لحين إنجاز المعاملة ، برغم كل العقبات والعراقيل و"طيحان الحظ" في مراجعة الدوائر الرسمية ، وإصراره يستند إلى قناعته  بأفكار" ثورية "  قرأها أو تبناها ،  شجعته على خوض المعترك النضالي للحصول على بدل ضائع أو تالف لهوية الأحوال المدنية أو شهادة الجنسية تلك الوثيقة الخطيرة جدا في الحياة العراقية .

العراقيون المقيمون في الخارج  قدموا طلبات لإعادتهم إلى وظائفهم  طبقا  لإجراءات إعادة المفصولين السياسيين ،  ومنهم ترك الوظيفة مطلع العام  1979 والتحق  بكردستان لينضم إلى  حركة مسلحة  معارضة للنظام ،   وانتهى بهم  المطاف لاجئين  في دولة أوروبية ، منذ أكثر من سنتين وأصحاب الطلب لن يعودوا لوظائفهم  ، لأن  وزاراتهم التي كانوا ينتسبون إليها  حولت  الطلبات إلى هيئة المساءلة والعدالة  للتأكد من أنهم  غير مشمولين  بإجراءات اجتثاث حزب البعث المحظور ، وهذه نكتة الموسم ، وهي ليست  خيالية أو من ابتكار احد المختصين بتحويل الكوميديا السوداء إلى مهازل لغرض التخفيف من الصدمة ، وجعل المتلقي يتقبلها من دون التعرض إلى ارتفاع  بضغط الدم ،   وهذا النوع من المهازل  لا يحصل في أية دولة رسخت ووطدت مؤسساتها واستخدمت التكنولوجيا الحديثة في انجاز معاملات  مواطنيها بدءا من إصدار بيان الولادة ، ووثيقة التأمين الصحي ، وانتهاء  بتاريخ الوفاة  ،وكل هذه الأمور تجري في دولة المؤسسات .

في المنطقة العربية توجد دولة مؤسسات وكذلك "دولمة" مؤسسات والفرق شاسع  وكبير، فالأولى تشهد استقرارا سياسيا ، واقتصاديا ويتمتع شعبها بدخل مرتفع ، والثانية تحاكي السلحفاة في  مسيرها والبعير في التخلص من  إدراره ،  وهي تمتلك الصوت الصاخب الداعي إلى تحقيق المشروع القومي النهضوي ، وانطلاقا من إيمانها بهذا المشروع طالما تبرعت للأشقاء والجيران بملايين الدولارات فيما تركت  أعدادا كبيرة من شعبها تعيش في  العشوائيات ، ويبحث عن طعامه في النفايات .

دولة المؤسسات حلم العراقيين وأمنيتهم ، تحدث عنها الساسة والمسؤولون والبرامج الانتخابية السابقة ، والجميع أعلن الحرب ضد الروتين لكونه من مخلفات النظام السابق ، وعلى حب الله ورسوله وآل بيته عليهم السلام ، امتلأت  مقار المباني الحكومية والدوائر الرسمية بحكم وأقوال  وحتى أدعية ، تؤكد الوقوف أمام الحق لدحر الباطل إلى الأبد ،  وبعبارة أدق إن صح التعبير التوجه نحو إرساء وترسيخ  دولة المؤسسات، ولكن واقع الحال يكشف عن "دولمة" مؤسسات أعدها أمهر الطباخين ، المستعدين دوما لتقديم أشهى المأكولات للزبائن في مطاعم المنطقة الخضراء ، وجيب تشريب زند لعمك المستشار .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram