في مصر الثقافة والفن والإبداع والتنوير، المحكومة اليوم بالإخوان المسلمين، الذين ينظرون إلى المرأة بدونية، تتنافى مع أبسط ما شرعه لها الإسلام من حقوق، قام نفر من الظلاميين، المسكوت رسمياً عن فعلتهم، بوضع نقاب على وجه تمثال لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم، في سابقة هي الأولى من نوعها، وإذا كانت الأنباء تضاربت بشأن هوية الأشخاص الذين قاموا بهذا العمل المشين والمدان، فإن أصابع الاتهام توجهت للإسلامويين، الذين سبق لهم وغطوا تمثالاً في الإسكندرية، ما أثار غضب المواطنين وسخطهم، حيث يعدّ التمثال رمزاً للفن المصري، والتعامل معه بهذه الطريقة هي إهانة ورسالة موجهة، مفادها أن الفن حرام وأن صوت المرأة عورة.
قوى الثورة في مدينة المنصورة لم تسكت فقامت بمسيرة حاشدة إلى موقع التمثال في قلب المدينة وقام النشطاء بإزالة النقاب، في حين التزمت وزارة الثقافة الصمت، متحججةً بأن التمثال تابع للمحافظة وليس لها، متجاهلةً أي تساؤل عن دورها في حماية الممتلكات العامة ذات الطابع الثقافي، في حين شدد ناشطون في ميدان الثقافة أنهم لا ينتظرون ردود فعل رسمية عمّا حدث، لأن النظام الإسلاموي لا يعترف بالأدب والفنون، ويلتزم الصمت على ارتكاب مثل هذه الجرائم، التي تحاول النيل منها ومن ما يقدمه المبدعون، وهم يرون إن الرهان الحقيقي على الشعب، الذي سيرفض كل المحاولات التي تنتقص من قدر الفنون والإبداع، وإن تجاهل هذه التصرفات هو الحل الأمثل لأن أم كلثوم ليست مجرد تمثال وستبقى خالدة بأغنياتها وأعمالها الفنية.
في سوريا قامت قوىً ظلاميةً تتستر بالاسلام، بتهشيم رأس تمثال الشاعر العربي أبو العلاء المعري، متجاهلين إن همجيتهم لن تدمر فلسفة المعري وإن الأفكار لا تموت، وأن الحرب ضد النظام لا تبرر لأحد تدمير التراث الثقافي للبلاد، والعبث بالتمثال النصفي لشاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء، صاحب رسالة الغفران، بحجة إنه كان كافراً زنديقاً، أو لظنهم إنه واحد من أسلاف الرئيس الأسد، لن تغير حقيقة انه شخصية عالمية بامتياز، وهو الفيلسوف المجدد الذي سبق عصره بمئات الأعوام، من دون أن يتخلى عن إيمانه كما هو واضح في كتابيه رسالة الغفران وسقط الزند.
أبو العلاء الذي انقطع عن الدنيا ليصوم النهار ويقيم الليل، فلم يخرج من داره تسعاً وأربعين سنة إلا مرة واحدة ومكرهاً، كان ذا صلة حسنة بالناس، كريماً ذا مروءة، رقيق القلب رحيماً عطوفاً على الضعفاء حتى شملت رقة قلبه الحيوان، وهو رجل وجدان دقيق الحس عميق الإدراك صادق التعبير، رأى فيه أكثر النقاد شاعراً إنسانياً متأملاً، وصنفوه في المحل الأرفع بين شعراء العربية، له مقام فريد لا من حيث أسلوبه وفنه فحسب، لكن من حيث روحه ونظرته إلى الحياة والأحياء من حوله، وهو في كل ذلك مثال على المسلم المقنع لغير المسلمين، أكثر بملايين المرات من أصحاب اللحى المحدثين، الذين يعدّون كل من اختلف معهم كافراً يجب قتله.
يحاجج المعتدون على تمثالي المعري وأم كلثوم، بأن الرسول هدم أصنام الكعبة التي كان الجاهليون يعبدونها من دون الله، لكننا لم نسمع يوماً أن أحداً تعبد عند التمثالين المعتدى عليهما في سوريا ومصر، اقتداءً بالاعتداء المنفذ من منتسبي تنظيم القاعدة، ضد بعض التماثيل التأريخية أيام حكمهم لافغانستان، وربما مناسب تذكيرهم بأن من أروع ما شدت به أم كلثوم هو رائعتها ولد الهدى وتذكيرهم بأن المعري هو من قال "خلـق النـاس للبقـاء فضلَّـت أمــةٌ يحسبونـهـم للـنـفـاد".
عن أم كلثوم والمعري
[post-views]
نشر في: 18 فبراير, 2013: 08:00 م