لاشك أن الحديث عن الدكتور صلاح القصب هو الحديث عن تجربة مسرحية شهدت تمايزا كبيرا في العقود الماضية في الاشتغالات التجريبية الحديثة في الساحة العراقية وحتى العربية ، فالقصب منذ اشتغاله في فرقة (مسرح الفن الحديث ) وتقديمه العديد من الأعمال التي ما تزال
لاشك أن الحديث عن الدكتور صلاح القصب هو الحديث عن تجربة مسرحية شهدت تمايزا كبيرا في العقود الماضية في الاشتغالات التجريبية الحديثة في الساحة العراقية وحتى العربية ، فالقصب منذ اشتغاله في فرقة (مسرح الفن الحديث ) وتقديمه العديد من الأعمال التي ما تزال في ذاكرة المسرح العراقي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا ، فقد تميز في إصدار العديد من البيانات الخاصة بمسرح الصورة والمسرح التجريبي ، ثم قام بتطبيقها في أعمال عديدة ، كتب عنها من قبل نقاد المسرح العراقي آنذاك .. ولأن الحديث عن القصب يفتح لنا أسئلة مفتوحة ، فقد استوقفناه لنجري معه هذا الحوار :
• هل هناك من جديد في المسرح العراقي ، أو هل شهدت هناك ظاهرة يمكن التوقف عندها ؟
ـ لم تكن هناك ظاهرة ، مادامت هناك إعادة إنتاج تجارب مستعارة ، أو تجارب أدائية نستقي من خلالها فضاءات معبّرة بأطر قد تنتمي إلى واقعنا ، إذ يمكن أن نخلق كل شيء في المسرح بآليات فنية مفتوحة ، وبتجريب مفتوح ، هذا إذا كانت هناك ظاهرة سسيولوجية أو سسيوثقافية .
• بخصوص التجريب ، أنت واحد من أهم المشتغلين في المسرح التجريبي ، وكانت لديك اشتغالات مشهودة في مسرح الصورة ، وغير ذلك ، كيف يمكن أن نصف تجربتك بين الأجيال الإبداعية الأخرى ؟
ـ الأجيال الثقافية التي مرت خلال عقود لم يكن لها تأثير معماري كبير مثلما شكلت المعمارية الثقافية في الدول الأوروبية المتقدمة حضورا وتشكيلا وتأسيسا لمعمار ثقافي كبير.. لم تكن هناك خارطة معمارية ذات رؤى وسطوح ومستويات وخطوط ولون شكلت هذا المعمار بقدر ما كانت هناك مناخات واشتغالات وطاقات جاهزة لتنفيذ المطلوب.
، مثلما لا نستطيع أن نكوّن غابة من أزاهير في قلب صحراء رملية ، لم تكن لدينا تلك الأجيال المصنفة ثقافيا بالمعنى الحقيقي والدقيق ، بل هناك حركة ترددية ذاتية ، هي حركة أفراد ..
• هل أنت واحد من هذه الحركة الذاتية .. أعني من هذه ( الأفراد)؟
ـ أنا أتحدت عن مجموعة مؤسسة لخطاب ثقافي في مرحلة معينة لا تزال حاضرة معنا ، في ذهننا الثقافي لحد الآن ، فالسياب ونازك الملائكة والبياتي وجواد سليم وحقي الشبلي ، وغيرهم .. كانت تشتغل ضمن محيطها الترددي فقط ، فالجيل يعني (النظرية) و(نظريات) و(مراكز ثقافية) وكم من حقول مترجمة الى لغات عالمية ، بمعنى امتلاكها لحوارات أممية لم تشكلها الثقافة العراقية .. هذا الحوار الممتد مع الآخر هو ممتد مع الفنون ، لذلك لم تكن هناك نظريات أو دراسات حتى للرموز التي ذكرتها ، بل لم يكن لدينا تشكيل, مع أن فننا التشكيلي دخل إلى حوارات عالمية معدودة, وهذا ينطوي على جهد الفنان ذاته, كذلك الشعر العراقي هناك طيف من الأجيال على المستوى البايولوجي وليس الأجيال بمعنى النظرية, ولكن هناك ومضات وموجات التقطها القرن العشرون وتحديدا" (العقد الستيني) وأيضا" الثمانينات حتى دخول الفضاء التسعيني, نلمس هناك ومضات كالبرق, ولكنها تنطفئ عند أول محطة لسحب وكثافة غيوم.
* برأيك, هل استطاع المسرح العراقي أن يغادر نمطه المعهود والدخول إلى فضاءات أوسع مما كان عليه؟
- لم تشكل الحركة الفنية بشكل عام والمسرحية بشكل خاص في العراق حضورا" واسعا" للأسباب التي ذكرتها آنفا", إلا في تجارب محدودة, إذ كيف نستطيع أن نؤسس بناءً" تجديدياً" ونحن جزء من فيزيائية تكنولوجية حديثة, فالعصر هو عصر إلكتروني هو عصر انفلات من الجاذبية, ويعود السؤال المألوف لدينا: أين المؤسسات الفنية والمنتديات التي تنعش هذا الجيل وتنمي تلك الطاقات.. فالموجة لا يمكن أن تكون لها قيمة وتأثير وقوة تردد إذا لم يحتضنها البحر, نحن بحاجة إلى بحار ممتلئة بلغة العصر الحالي, بلغته وعلميته الصادمة والمركبة وهي تشتغل بقوة أبعد من العقل الإنساني.. فهناك محاولات لا تزال تتربع على اليابسة فقط, والمغامرة تعني المناخ الثقافي..
* أين هي المناخات الثقافية يا دكتور؟
- ليست هناك مناخات ثقافية, أي مناخات تواصل عالمي, والبحث عن عالم تقوده الإلكترونية والتسريع والعقل النظري والتطبيقي, ليست هناك دولة متحررة من سلطة اليومي والتكرار.
* سمعت ذات مرة بأنك أشرت إلى وجود تجارب مهمة في المسرح الحديث, وهذا يسعدنا؟
- في الحقيقة هناك محاولات مضيئة لدى ترددات شبابية شاهدها المسرح العراقي, أذكر من هذه الأسماء (مهند إسماعيل وعلاء قحطان وإبراهيم حنون وأنس عبد الصمد ومهند هادي وتحرير), هذا الجيل الترددي لابد أن يتشكل كأزاهير تشم رائحتها من أميال بعيدة.. لذلك يجب أن تعمل هذه الأسماء ضمن بلاغات تستطيع أن تنتج رائحة الورد فتشكل عطرا" يملأ كل الفضاءات.
• هل ما قدمت من دراسات وتنظيرات نقدية أنصفت الخطاب المسرحي العراقي برأيك ؟
ـ لا يمكن أن تكون هناك ثقافة على مستوى المحيط الفني والأدبي إذا لم تكن هناك مساحة نقدية بمستوى متقدم ، فالحركة النقدية في العراق أجدها تواكب الإبداع الثقافي ، لكني أصر على تعجيل الخطاب النقدي لأنه يواكب الحركة العالمية في الكثير من النتاجات الفكرية والتنظيرية وهذا أمر يحتاج إلى عمل كبير من قبل المؤسسة ، ككل ، هناك أسماء نقدية مهمة ،خاصة الجيل السبيعيني والثمانيني وحتى التسعيني ، قدمت الكثير من الطروحات النقدية في هذا المجال ، عكس الجيل الستيني ، كانت طروحاته حوارية أكثر منها تحليلية ، فهي تلامس المحيط فقط ، ولغتهم النقدية أشبه ما يكون بالحوار اليومي ، في حين وجدت الجيل النقدي الحالي قد شهد حركة تقترب إلى الفضاء الذي يعتمد الكيمياء والفيزياء لتحليل هذه العناصر ، إنهم فيزياء هذا العصر .