في أزقة بغداد القديمة كان (الأوتجي) يحتل ركناً منزوياً لتقديم خدمات كوي ملابس الأفندية في (دكيكين) صغير مستخدماً مكواة الفحم في عمله لقاء مبلغ صغير جدا لا يتعدى العشرين فلساً بالعملة النقدية المعتمدة في ذلك الزمن ، وبعد دخول المكواة الكهربائية للاسواق المحلية وشيوع استخدامها في المنازل ، انقرض أبو الفحم وانتهى به المطاف (أنتيكة) في المحال المتخصصة ببيع الأجهزة القديمة جداً .
معاناة العراقيين وخاصة اهالي العاصمة بغداد من انعدام تطوير خدمات توفير الكهرباء الوطنية وخضوعهم لسلطة وهيمنة ومزاج أبو المولدة ، وخيبتهم من الوعود الرسمية التي يطلقها المسؤولون منذ سنوات بشأن إنشاء المزيد من مشاريع محطات التوليد ونقل الطاقة، وفي الصيف ما بعد المقبل، سنسمع الإهزوجة الشهيرة:" يمه نتلني الأوتي صوجي لعبت بوايره"
قبل انقراض " أوتي أبو الفحم " ونتيجة علاقة الأوتجية المتينة مع الأفندية ، ليس من المستبعد اطلاقاً ان يكونوا قد انضموا الى احزاب وقوى كانت تعارض وتنتقد ممارسات الوالي العثماني في بغداد ، وربما امتد نشاطهم السياسي الى الجيل الحالي، ولكن بطريقة واسلوب آخر انطلاقا من متطلبات المرحلة ، ومستجدات الأحداث، وأسس إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول، وخاصة المتجاورة ، وهذه القواعد او الأسس لم تكن حاضرة لدى الجيل القديم، فالسياسية بحسب وجهة نظرهم "مضروبة أوتي " مسارها واحد تشخص الأبيض والأسود وليست هناك مساحة مشتركة بين اللونين ، وهذا الدرس القديم يصطدم بحقيقة " لا وجود لسياسية ثابتة " وهذا ما عبر عنه احد اعضاء مجلس النواب عندما اكد ان العلاقة بين بغداد وانقرة ستشهد في غضون الايام المقبلة مد جسور الثقة بين البلدين ، وهناك اطراف في داخل الحكومة التركية بدات تتحرك نحو العراق بعد ان ادركت ان موقفها تجاه سوريا بات مهددا بالانقراض كحال "اوتي الفحم ".
تزامنا مع اندلاع التظاهرات في بعض المحافظات ، لتنفيذ مطالب تقع ضمن صلاحيات الحكومة وجه بعض النواب اصابع الاتهام الى تركيا، لانها تقف وراء تأجيج الشارع العراقي ضد حكومته المنتخبة ، وأحدهم طالب بطرد السفير التركي من بغداد ، ووضع حد للأطماع العثمانية الجديدة في العراق، وصاحب الطلب حذر من مخطط تركي قطري في تنفيذ المشروع الاخواني نسبة للاخوان المسلمين في الوصول الى السلطة في اكثر من بلد عربي ، ياستار . بعد أيام قليلة من اطلاق هذا التصريح خارج السياقات الدبلوماسية، ينسف صاحب مد جسور الثقة بين بغداد وأنقرة ما ذكره زميله ، فأثار التساؤلات وجعل علامات الاستفهام كبيرة جدا في الاذهان ، بشأن الموقف النهائي بخصوص طرد السفير او الاشارة الى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين ، وتجاوز الماضي بكل ما يحمل من تركة ثقيلة خلفها تبادل الاتهامات بين مسؤولي البلدين، ولعل من المناسب هنا الاشارة الى احتمال أن يكون التصريح حيال التقارب التركي العراقي المحتمل ، مثل وعود تحسين قطاع الكهرباء ، التي فرضت على العراقيين استذكار "الاوتي ابو الفحم"