كنت ومازلت كلما اقرأ خبرا او بيانا يتعلق بهيئة المساءلة والعدالة، أتساءل ما هي الفائدة التي تعود على العراقيين من قرارات اجتثاث مسؤولين مارسوا الوظيفة لسنوات طويلة، ثم فجأة انتبه القائمون على الهيئة إلى كون هؤلاء مشمولين بقرارات الاجتثاث؟ لا شيء، اللهم إلا لتضييع وقت الناس في سجالات وخطب كلامية تملأ أوقات الفراغ بالصراخ والشتائم وتؤزم الوضع السياسي الذي في طريقه الى الانفجار.
هل أهمية هيئة المساءلة التي صدعوا رؤوسنا بها بأهمية تشكيل لجنة عليا لاجتثاث الطائفية التي وجد فيها ساستنا ملاذا آمنا لهم يستثمرونها للحصول على المناصب والمغانم؟ حيث نراهم في كل حديث عن المواطنة يرتدون ثياب الباحثين عن الحق والعدالة الاجتماعية .. فيما واقع الامر يقول ان العراقيين لم يجنوا من وراء الساسة إلا الخراب والضياع والوقوف على عتبة المجهول.
ومع احترامي الكبير للقائمين على عمل هذه الهيئة، لا أتصور أن العراقيين سيسهرون حتى الصباح مبتهجين بانجازات هذه الهيئة التي دائما ما بشرتنا بأنها طردت معلم من احدى المدارس، لان اجتثاثه سيفتح الباب أمام الاستثمارات الدولية لتحويل خرائب المدن الى جنات عدن، وان هذا اليوم سيسجل بالتاريخ ، باعتباره أول واكبر انتصار نحققه على الامبريالية والاستعمار العالمي.
ودعونا نتساءل بعد سنوات على تأسيس هذه الهيئة، هل نحن مجبرون على متابعة حلقات معادة ومكررة من مسلسل ساذج وممل اسمه " ليلة العثور على المجتثين" فالكل يعرف جيدا ان نوابا ومسؤولين كبارا في الدولة ومقربين من رئيس الوزراء ورئيس البرلمان لم تقترب منهم جرافات هيئة المساءلة والعدالة، والكل يعرف ان سيناريو الاجتثاث يمضي كل مرة على النحو التالي: حالة من الصمت المؤقت تخيم على المعسكر المؤيد للاجتثاث، تقطعها تصريحات عابرة لمسؤولين كبار في الحكومة، مفادها أن الأمر قيد الدراسة ومطروح على الطاولة، وفي هذه الأثناء سيكون الطقس السياسي متقلبا وعنيفا وهادرا في كل الاتجاهات، إذ تنشط رياح كتلة دولة القانون بغبار معارك وهمية، ويرتفع موج التصريحات العنيفة على ضفة العراقية، مع استدعاء أصوات لسياسيين لم يسمع بهم أحد من قبل، وسط كل هذا تؤدي الحكومة فاصلا من الألعاب السياسية الطريفة، من عينة أن هيئة المساءلة والعدالة مستقلة في قراراتها ولا تخضع لأي جهة سياسية، لكنها الهيئة نفسها تصبح غير مستقلة وظالمة لو أنها اقتربت من احد "أحباب" السيد رئيس الوزراء.. قبل أيام خرج علينا ائتلاف دولة القانون ببيان يقول أصحابه فيه ان عشرين مليون عراقي يرفضون إلغاء هيئة المساءلة والعدالة مقابل عدد قليل من المطالبين بالغائها، وشدد البيان على ضرورة اخذ رأي الأكثرية. لان قرارات الهيئة تستند الى الدستور والإرادة الجماهيرية".
اما اليوم فان هذه الهيئة التي هب عشرون مليونا للهتاف بحياتها اصبحت ظالمة وهي تقترب من قلاع السيد نوري المالكي لتتحول قراراتها الى غير دستورية والقائمون عليها لا يملكون الشرعية التي تخولهم إصدار قرارات.
ولن ننسى المعركة التي خاضها رجال دولة القانون ضد القاضي رحيم العكيلي رئيس هيئة النزاهة السابق حين اصروا على اقالته، والسبب كما اخبرنا احد مقربي رئيس الوزراء انذاك سامي العسكري من ان "رئيس هيئة النزاهة مشمولا بإجراءات هيئة المساءلة والعدالة".
هكذا اذن نحن امام مساءلتين وعدالتين يصبح ظهور كل منهما في هذا الوقت، بحد ذاته، فرصة لتواري واختفاء ملفات شديدة الأهمية تتعلق بحياة الناس وأمنهم ومستقبل أبنائهم.
ودعونا نسأل انفسنا، ماذا لو تواضع السيد المالكي قليلاً وبدل من ان يصبح مثل نيرون يحرق المعبد بمن فيه، يطرح نفسه على العراقيين، واولهم من يختلف معهم في المنهج والفكر، على انه رجل المصالحة والقفز فوق الثأر والانقسام، وانه رجل محبة وتسماح يريد أن يحتضن الوطن، ماذا لو وقف المالكي وسط تظاهرات العراقيين، وقال لهم: ها هو الماضي خلفي وسنوات الغربة ورائي ولن اظلم أحداً كما ظُلمت، ولن انتقم من أحد كما انتقموا مني، ولا هم لي الآن، سوى وجود عراق ينعم ابنائه جميعا بالعدالة والحرية والقانون.
كنا نعتقد ذات يوم، أن المالكي لن يكرر تجربة الظلم الذي تعرض. لكن للأسف لم نجد في سنوات حكمه سوى تكرار مستمر للثأر من الماضي.
لا أحد أكبر من وطنه، إلا إذا ارتقى الى صف مانديللا. الى قمة التسماح والمحبة والعدل، عندها فقط، يصبح ناطقا باسم كل العراقيين.
المالكي بين مساءلة .. ومساءلة
[post-views]
نشر في: 19 فبراير, 2013: 08:00 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 5
عمر علي
يرتكز المالكي على ركيزتين الثار و الطائفية، رايت بوستر كبير ربما 10م مربع موزع على نطاق واسع في البصرةوفيه صورة المالكي وهو يوقع على قرار اعداد صدام حسين. بالله عليك وهما تحمل من كره لصدام ونظامه الا يثير فيك الاشمئزاز مثل هذا التشفي الطائفي؟؟
كاطع جواد
رضاء الناس غاية لا تدرك ..على المسؤول ان لا يسعى لإرضاء الناس بل عليه ان يطبق القانون وبالصورة العمياء التي نشاهدها في غرف القضاة. اما ان يبحث عن الثغرات التي يستفاد منها بتطبيق القانون ويعمل جاهدا في هذا الموضوع عندها يقال عنه انه يكيل بمكيالين ..ليس ال
زامل اللامي
عاشت يدك وقلمك ياسيد علي حسين لانك تكتب الحقيقة والواقع ويحفظك الله من كل مكروه وخاصة المكروهات التي تاتي من قائمة دولة الفانون وليس القانون وزعيمهم المالكي وان لايشملوك باحد قرارات المسالة والعداله فنهجهم هو من لم يكن معي فهو عدوي
اصيل الاصيل
اقنع نفسي واصبرها بان ما يحدث للعراق هو احد مراحل النضوج الطبيعي والخروج من عنق الزجاجة لاناس عانوا من القهر والتهميش ولكن اجد الامور قد تجاوزت حدهاواصبح نضوج الشعب واستخدامه للعقلانية والتحليل المنطقي في القرار معناه انتهاء دور رجال الدين والسياسيين ا
هادي عباس
وله في عبد الكريم قاسم رحمه الله اسوة حسنه حين قال عفى الله عما سلف