الأدبيات التقليدية في السياسة والاقتصاد والإدارة تقول ان البيروقراطية وبعد أن تصبح عمقاً للدولة، تغدو طبقة أو شريحة لها مصالحها تدافع عنها بشراسة خصوصاً تلك البيروقراطيات التي أقامها الاستبداد إذ تصبح بها فعلاً الدولة عميقة وتحمل تراثها. فالبيروقراطية التقليدية أسقطت الاتحاد السوفيتي ومجموعته لأنها أصبحت طبقة معزولة عن جمهورها الذي طالما تكلمت باسمه هذا في العالم الثاني الذي سمي بوقته المعسكر الاشتراكي أما في العالم الثالث، إذ الانتماءات التقليدية راسخة وصلبة (طائفية أو إثنية).
حيث المجال السياسي ليس منفصلاً بوضوح عن المجال الاجتماعي والعلاقات الشخصية فأن الإطار الأساسي للسياسية (غير الغربية) هو الإطار الطائفي، ويتلون السلوك السياسي كله تلوينا واضحاً باعتبارات ذات علاقة بالانتماء الطائفي (أرنت ليبهارت الديمقراطية التوافقية ترجمة حسني زينة ص34 سنة 2006).
وتظهر تجليات ذلك بانقسام البيروقراطية المدنية والعسكرية إلى قسمين وهما القسم التقليدي بروتينيه وتراتبه وأدائه الضعيف أما الجناح الآخر فهو خاص بامتيازاته وأدائه ومعاييره) كما كانت دوائر محددة لجهة محددة بصبغة طائفية مثل (الخارجية والأمن والأمن الخاص والحرس الخاص والمخابرات). هذا الانقسام في البيروقراطية كأداة لتنفيذ سياسات الدولة المستبدة غير المشروطة (الدستورية) كانت نتائجه معروفة في العراق ودول ما يسمى بالربيع العربي.
فأي انقسام البيروقراطية عسكرية كانت أو مدينة بصبغة ذات طابع لا وطني وله بعده الخاص تكون دائماً النخبة كذلك لأنه سيفضي إلى التوريث في البلدان المتخلفة أو الجمود في العالم الاشتراكي ثم الانهيار.
ويكرس هذا الانقسام الامتيازات (راتب خاص ومخصصات خاصة) لدرجة تنشأ الآن عندنا مثلاً طبقة أو شريحة الدرجات الخاصة المختلفة كلياً عن نظائرها في أجهزة الدولة. وهذه الشريحة تخضع للتوسع أو الانكماش بفعل عوامل ضغط الميزانية كما حصل في تراجعات تخصيصات وتقاعد مجالس المحافظات ذوي الخدمة ستة أشهر وما فوق لكونهم الشريحة الأضعف قياساً للأعلى في البرلمان مثلاً الذي يشرع لنفسه وهذه الشريحة البرلمانية تنضم كل أربع سنوات برواتب وتقاعد فترته الأعلى خدمة أربع سنوات، في حين يناضل الموظف التقليدي باحتساب 80% من راتبه بعد ربع قرن خدمة. هذا التفاوت سوف لا يكون مستقراً مثل رواتب العائلة المالكة في الدول الدستورية ولا يزحف عمقاً أو عرضاً.
وشريحة الدرجات الخاصة أيضاً رواتبهم جمعياً لا تخضع إلا لقانون خاص في الراتب والتقاعد والمخصصات وهذه أيضاً تتسع ما دام الاستحداث لأغراض التوازن مستمراً وجذره طائفي أيضاً وليس وطنياً بمقاييس مجلس خدمة أو قانون موحد (شهادة وخبرة).
ولكن والأدهى والأمر أن هذه الامتيازات الفنطازية تتم في قمة فساد لم تصله الدولة سابقاً وضعف أداء كذلك في جميع الميادين بحيث لا يتناسب مع اضعف بيروقراطية في تاريخنا.
ففي أبسط محافظة وأفقر محافظة بعد السماوة، تقول لجنة المشاريع في مجلس المحافظة إن نحو (150 مشروعاً تقدر كلفتها بـ244 مليار دينار) لم تنجز لحد الآن على الرغم من انتهاء مهلة تنفيذ بعضها منذ خمس سنوات (المدى بريس ليوم 18 / 2/2013).
هل هذا الأداء يستحق امتيازات خاصة؟ ولا نسأل أكثر.
خصوصية البيروقراطية الجديدة
[post-views]
نشر في: 20 فبراير, 2013: 08:00 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...