عندما تناقلت وكالات الأنباء خبر اجتثاث القاضي مدحت المحمود أخبرني أكثر من مُطَّلع؛ بأن هيئة المساءلة والعدالة لا تملك وثيقة تكفي لتكون إجراءات اجتثاثه قانونية، وأن موضع حصول المحمود على قرار النقض من محكمة الاستئناف بمثابة تحصيل حاصل، وفعلا حصل الرجل على النقض! ما يجعلنا وجهاً لوجه أمام هوية المؤسسات المسؤولة عن إدارة البلد، إذ يبدو أنها مؤسسات أشخاص لا مؤسسات دولة، فكل مؤسسة منها مملوكة لجهة ما، أو لسياسي بعينه. وهي تنصاع لأوامره مع غض النظر عن طبيعة هذه الأوامر! وإذا أخذنا بنظر الاعتبار موضوع إعفاء رئيس هيئة المساءلة السيد فلاح شنشل من منصبة من قبل رئيس الوزراء، والذي جاء رداً على اجتثاث المحمود، يتأكد لنا أن دولتنا أشبه برقعة شطرنج، وأن بعض السياسيين "الكبار" يلعبون بها كيف يشاؤون، ويتعاملون مع بعض المسؤولين فيها وكأنهم بيادق يتم نقلهم على مساحة الرقعة بحسب مقتضيات لعبة الحرب بين الأطراف المتصارعة.
وهذا الموضوع إذا صح فهو أمر مخجل جداً، فمن المعيب أن تدخل مؤسسات الدولة في الحرب الدائرة بين السياسيين، ومن المعيب أن تُبتلع الدولة بهذا الشكل السافر. لأن الدولة إذا نزلت لحضيض المصالح الخاصة بسياسيين محددين أهدرت، بقصد أو بدون قصد، حقوق الناس والبلد. مؤسسة القضاء هي المؤسسة الأهم في البلد، ومؤسسة المساءلة والعدالة واحدة من أهم مؤسسات العدالة الانتقالية المسؤولة عن تحقيق السلم الأهلي، وإدخال هاتين المؤسستين في لعبة الصراع السياسي يحول الدولة فعلا إلى لعبة، ويفرغ مهمتها من محتواها ويجعلنا نهبا لنوايا ومصالح السياسيين، وهذا ما يبدو أنه يحدث على الأرض. دولتنا الآن، لا تعمل وفق رؤية مستقبلية، بل تنفذ أغراضاً محددة وتلبي مصالح ضيقة.
إذاً وعلى ذكر رقعة الشطرنج وبيادقها، فأي من مؤسسات الدولة تمثل القلاع على هذه الرقعة؟ وأي المسؤولين يمثل أهم البيادق، أقصد "الرخ والوزير" ومتى نسمع الكلمة الساحرة "كش ملك" ولمن ستوجه؟ وهل ستكون قاضية؟ أم أن لاعبينا الكبار سيجدون دائماً فرصة كافية للتشكيك بنزاهة اللعبة وإعادتها من جديد؟