يُعد أحمد صاحب الناصري أحد الفنانين العراقيين الشباب الذين أثبتوا حضورهم الإبداعي والفني منذ ثمانينات القرن الماضي مبتدئاً بالخط العربي الذي وجد فيه فضاءً إبداعياً يعبر عن همومه وتطلعاته لما يمتلكه من خصائص فنية وجمالية وكرمز متعدد الأبعاد والدلالات
يُعد أحمد صاحب الناصري أحد الفنانين العراقيين الشباب الذين أثبتوا حضورهم الإبداعي والفني منذ ثمانينات القرن الماضي مبتدئاً بالخط العربي الذي وجد فيه فضاءً إبداعياً يعبر عن همومه وتطلعاته لما يمتلكه من خصائص فنية وجمالية وكرمز متعدد الأبعاد والدلالات بث من خلاله الكثير من الرؤى والتصورات والمضامين الإنسانية والحضارية التي تجسد خلاصة التجربة الذاتية للفنان وهو يتعامل مع أحد أهم ركائز الحضارة الإسلامية وهو... الحرف.. الذي يجسد الروح النابضة والحيّة للحضارة التي أثرت الإنسانية بما قدمته من إنجازات وعلوم ومعارف لاسيما في الجانب الفكري والثقافي .
يتعامل الفنان أحمد الناصري مع الحرف العربي وفق حسّاسية خاصة تربطه بهذا الحرف الذي قدم عبره خمسة معارض سابقة .. كلّ معرض شهد إضافة جديدة للمعرض الذي سبقه وهذا يؤكد إخلاص وحرص الفنان على تأسيس تجربة تنزع الى المغايرة والابتكار في التعامل مع موضوعاته الحداثية متأثراً بفلسفة الفن المعاصر وطروحات رموز الفن التشكيلي العالمي أمثال مايكل أنجلو وكاندنسكي وبيكاسو وجورج براك وآخرين ولكن من دون الانسلاخ عن المرجعيات الرافدينية والتراثية التي شكلت النواة الأولى لظهور ونمو هذا الفن الإنساني النبيل.
اللوحة الحروفية لدى الناصري تبدو كتلة متجانسة بالرغم من وجود أكثر من موضوع واحد يتصارع داخل فضاء اللوحة وكأن مخيلة الفنان تسعى الى تحويل هذا الصراع الرمزي الى أفكار وطروحات فنية ترسخ وتعزز من فاعلية وقيمة الحوار الحضاري وبذلك تتحول اللوحة الى منظومة متداخلة من القيم والمضامين
الحسية التي تخاطب العقل والوجدان الإنساني في لحظة واحدة.
الناصري يؤمن بالحرف كقيمة إنشائية يمكن استثمارها وظيفياً في جعل الحرف يدخل ضمن تصاميم جمالية وذلك بالإفادة من تجربة الفنانين الحروفيين في التعامل مع هذا الحرف وتطويعه لخدمة المشاريع الخاصة بتصميم المدن والبنايات وواجهات الفنادق والمطاعم ضمن توجه حضاري فعال لإبراز مواطن التأثير البصري المباشر والرمزي لهذا الحرف بما يحمله من مضامين وعلامات باثّة تحمل مرجعياتها التراثية والفلكلورية وهو بذلك يسعى لبناء مدينة من الحروف مفيداً من الطابع الإنشائي للحرف .. وبهذا فإن الفنان لا ينكر تأثره بأسماء مهمة استثمرت الجانب الصوفي في الحرف العربي على وفق نزعة تأملية أمثال الفنان الرائد جميل حمودي ومديحة عمر ورافع الناصري وشاكر حسن آل سعيد وبذلك وحسب رأيه يتحول الحرف واللوحة الى قناع جمالي يبث الكثير من الرموز والدلالات وكذلك وجود الفراغ الذي يحيط بالكتل وهذا الفراغ يعزز من فاعلية الوضع التأملي لمتلقي اللوحة ويريح عين الناظر ويجعله يركز على الكتل والتكوينات الحرفية وكأن هذا الفراغ يجعل اللوحة تتنفس وجودها وحركيتها وتتماهى مع الإطار والمنظور العام الذي أراد أن يجسده الفنان... المشاهدات الكثيرة التي قام بها الناصري عبر تجواله وسفره الدائم الى بعض الدول العربية والأوروبية ورغبته الملحة في كيفية استثمار هذه المشاهدات ومزجها بالتجربة الذاتية والدراسة الأكاديمية في تقديم وصياغة عدد من المشاريع والتصاميم التي يستطيع عبرها خدمة بلده ومدينته وكذلك خبرته المتراكمة بدءاً من الاشتغال على الحرف مروراً بعمله في تنفيذ اللوحات الجبسية والسقوف الثانوية وانتهاء بالتصميم الذي وضع فيه خلاصة هذه العناصر المتداخلة تؤكد نزوع هذا الفنان الى خلق حالة من الحوار والتناسق بين الخصائص والملامح البيئية والواقعية وبين الفن كتعبير وكلغة تتسق مع منظومة من المرجعيات الثقافية والحضارية والروحية ، وهذا ما تعكسه معظم الأعمال التي شكلت المعرض الشخصي السادس للفنان الذي أقامه في قاعة بهو بلدية الناصرية