اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > متى ينتهي عصر الهبات ؟ ..العيش الآمن وتوفير الخدمات حقوق للمواطن وليست مكرمات !!

متى ينتهي عصر الهبات ؟ ..العيش الآمن وتوفير الخدمات حقوق للمواطن وليست مكرمات !!

نشر في: 22 فبراير, 2013: 08:00 م

يبدو أن عصر الهبات لن يُغادر الواقع المعاشي العراقي الذي صار يحيا به ويموت معه. فنحن الشعب الوحيد على هذه الكرة الأرضية التي اختلف العلماء ببيضويتها أم كرويتها  الذي يعيش عصر السلاطين في زمن الجمهوريات الثورية , صار هذا الشعب المسكين وعلى طول ت

يبدو أن عصر الهبات لن يُغادر الواقع المعاشي العراقي الذي صار يحيا به ويموت معه.

فنحن الشعب الوحيد على هذه الكرة الأرضية التي اختلف العلماء ببيضويتها أم كرويتها  الذي يعيش عصر السلاطين في زمن الجمهوريات الثورية , صار هذا الشعب المسكين وعلى طول تأريخه القاسي والدامي صاحب أعظم سلسلة من نوادر الحكايات والقصص حتى وصل الأمر هذه الايام بشاعر شعبي تناقلت قصيدته موبايلات الشباب والمراهقين وهو يطلق العنان لأبياتها التي تلعن (العراق) والعيش فيه مكذباً كل ما يُقال بشأن شماله وجنوبه وسهوله ووديانه وحنانه في حالة تشيع الألم والحزن معاً لما وصل إليه الآخرون من حالة اليأس التي ألمَّت بهم من استحالة ان يتمتعوا بالعيش في وطنهم بسلام وعــدل.

التغلب على الخوف

 

في التمانينيات من هذا القرن وحينما دارت رُحى الحرب الطاحنة بسبب تصادم الولاءات كنا في ريعان الشباب ومع كل هذا كنا نتصور أن الصاروخ هو طائرة صغيرة ،بل كنا نجهل الكثير من اسماء معدات القتال آنذاك مثل (السام) والميك والارض أرض,  وبمرور السنوات صرنا نتعرف شيئاً فشيئاً على كثير من بواطن المعلومات في السياسة والعسكرية وتغلبنا حتى على خوف الغارات الجوية، وصارت اصوات أبواقها كصوت عابر حيث كنا نسمع اصوات القنابر وهي تنفجر وكأنها اصوات أواني نحاسية , بدأنا نفهم الاشياء وأخذنا نتعلم ونتلمس دقائق الاشياء وخرجنا من معطف (البراءة) وسذاجيات ( موشي الديان يهددنه  ما يدري باحمد قائدنه) ايام الابتدائية في الفهم واللغة والتعليم وايام المكرمات التي كنا نتصورها انجازاً لا تتمتع به شعوب المنطقة مثلنا.

الدجاجة المكرمة

بالأمس حينما كان يريد ( القائد) أن يمنح مكرمة لهذا الشعب المقهور فأنه يقتطع من حصة المواطن في البطاقة التموينية كيلواً من حصة الرز وبرضاه أوعدم رضاه فان هذا الفعل الذي قام به (السيد الرئيس) هو خطة تكتيكية الغرض منها فــك الحصار وإذلال اميركا التي حاصرت الشعب وفتحت أسواق ما لــذَّ وطاب للحكومة!!  بعدها تنطلق الابواق والاناشيد وتهلل الماجدات لخبر عاجل عن مكرمة سخية لشعب  بابل وآشور وأكد وسومر يذيعه على الهواء صاحب معلـَّقة العلوج الثورية وزير الإعلام القابع في برج العرب مع عائلته معززاً مكرماً في دولة الامارات العربية مكافأة لخدماته الجليلة بعدم إيقاظ روح الولاء للوطن عند الشعب والذود  عنه لا على قائده الضرورة! وينطلق صوت الوزير مبشراً بالمكرمة السخية وهي اضافة ربع كيلو رز الى الحصة التي اقتطع منها كيلواً قبل اشهر ليشدو شعراء الصكوك بأبيات شعرهم تمجيداً لليـــد الحنونة والذين صار بعضهم اليوم (أبو زيــد زمانه في مقارعة النظام وأعوانه)! فإلى الساعة يتذكر العراقيون تلك المكارم التي وصل فيها الاستهتار بمشاعر الشعب الى أن يتبرع لكل أسرة عراقية بدجاجة واحدة بمناسبة عيــد الأضحى المبارك ، عاداً تلك الدجاجة مكرمة وهبة للشعب! واليوم تعرض إحدى القنوات الفضائية تقريراً لواحد من مراسليها وهو ينقل بالصوت والصورة احتفالية افتتاح مستوصفاً طبياً في احدى القرى العراقية وقد لفت انتباهي قطع القماش بالوانها الزاهية وقد خطت بعناية يعبـِّر فيها اهل القرية عن شكرهم وتقديرهم لمكرمة المسؤول الفلاني والتفاتته الكريمة لأحوالهم ، فيما عرضت قناة اخرى حديثاً لأحد المبدعين العراقيين وهو يجزل الثناء والتقدير لأحد المسؤولين على مكرمته السخية له بالعلاج والسفر ومع هذه الحالات وغيرها فقد ترسخت الفكرة لدى الشعب برمته بأن ما يقام حاليا من مشاريع او منح يمنحها هذا المسؤول او ذاك هي مكرمة سخية وهبة تستحق الشكر والأهازيج , (وتيتي تيتي مثل ما رحتي إجيتي) ليظل للعراقيين أكثر من سؤال بصدد تلك المسميات ، ولماذا تسمى مكرمات وعطايا، ما دامت هي مستقطعة من الخزينة العراقية التي هي خزينة العراقيين في هذا الوقت كما يُشاع !

 

الديموقراطية وضمان العيش

تعمل الدول الديمقراطية دائماً على ضمان الحياة الكريمة وتحقيق العدالة الاجتماعية لجميع مواطنيها، كما يناضل المواطنون وخاصة الطبقة العاملة وبشكل أساسي في القطاعات غير الحكومية في دول العالم كافة من اجل إيجاد مظلة للتأمينات الاجتماعية، حتى يتمتع الجميع  بالحقوق ذاتها وينعموا بالتوزيع العادل للثروات الوطنية وحتى يشعر كل إنسان بالأمن والأمان في حياته، فلا يخاف من بطالة او تعطل عن العمل بسبب مرض أو إصابة أو عجز أو شيخوخة.

علاء كريم مواطن من مدينة الديوانية تكلم بلغة اليائس من كل شيء وهو يجهل حقوقه كفرد في بلــد يفور من تحته النفط يقول :

جئت الى بغداد لكي أجد فرصة عمل لكني حتى هذا الوقت أبحث عن تعيين او ما يمكن ان أسدَّ به حاجة عائلتي ، كل مَن اُقابلهم وأعطيهم فايلي يقولون لي انتظر وسنتصل بك ، وهذا لم بحصل منذ اكثر من ثماني سنوات! ومرة قال لي إن الدولة تفكر بمكرمة لكل العاطلين عن العمل وقال لي ادعو الله ان (يحنن) قلب الدولة باطلاق تلك المكرمة ، وها أنا أنتظر المكرمة منذ زمن بعيد !

الحاج أبو يوسف يراجع مستشفى ابن الهيثم وهو يعاني من مرض صعب في عينه أفقده النظر وقيل له إن عمليته ليس في العراق وعليه ان يتقدم بطلب الى وزارة الصحة لشموله بمكرمة الدولة وسفره الى خارج العراق ، ويقول أبو يوسف إن الكثير شملتهم المكرمات وسافروا للعلاج في الخارج وأغلبهم لا يعانون من امراض صعبة، وأقسم ان واحداً منهم عنده الزائدة الدودية وتمت الموافقة على سفره الى الخارج على حساب الدولة !!

 

الرياضيون والمثقفون والفنانون

حينما يلمّ مرض ما بلاعب او شخصية معروفة تتبارى القنوات الإعلامية تناشد هذا المسؤول او ذاك بأن ينظر بعين العطف والرأفة لواقع هذا المبدع الذي أفنى حياته في سبيل سمعة العراق ، بعد وقت قليل تخرج علينا (سبتايتلات) القنوات وهي تزف البشرى بموافقة الرئيس او نائب الرئيس بالموافقة على علاجه في خارج الوطن ومن ثم تذهب الكاميرات الى بيت هذا (الثروة) الوطنية لتسأله عن شعوره بمكرمة فلان الفلاني فترتفع الأيدي الى الله مبتهلة ان يحفظ هذا المسؤول عن عملة الوطني الغيور.

محمد كريم يعاني طفله من مرض صعب وهو ضعف أداء الكليتين ومعرَّضة للتوقف عن العمل في اية ساعة وأنه كل اسبوع يذهب الى المستشفى لعمل غسيل الكلية  حيث تتم العملية بشق الأنفس من المراجعات والروتين الممل ، يقول: اذا كان الرياضي او المثقف له القنوات الفضائية التي تهيب بالدولة على مساعدته، فأنا مَن لي ؟ اعتقد ان المكرمة تليق بالدول التي ما زالت ترزح تحت خط الفقر او الدول ذات الانظمة الشمولية التي يكون فيها الحاكم هو سيد المكرمات لكني اعرف اننا اصبحنا دولة ديموقراطية ومثلما على المواطن واجبات، فان للدولة حقوقاً عليها لأبناء الشعب وألا يصبح علاج هذا المواطن او ذاك يتبع مزاجية المسؤول ورغبته بإظهار اسمه في الفضائيات وكأنه المنقـــــذ.

عبارات مهينة للشعب!

في نهاية السبعينيات ومع ظهور تقنية التلفاز الملون تم توزيع تلفاز لكل مقهى باشراف الحزب وكان لزاماً على صاحب المقهى ان يكتب عبارة ( مكرمة السيد الرئيس) هذا الامر أحالني في الوقت الحالي وانا اُشاهد سيارات رفع النفايات وأغلبها كُتب عليها هدية من الحكومة الكورية او مكرمة من الشعب الياباني ، وانا على يقين تام بأن هذه الشعوب لا تستعمل تلك الكلمة التي تعني في باطنها (الصدقة) ، كيف يرتضي إعلام المؤسسات بهذه الإهانة التي تنال من الشعب العراقي، وهل الحكومة عاجزة عن استيراد مثل هكذا سيارات من تلك الدول من مخصصات الميزانية التي تذهب في كل حدب وصوب باسم المكرمات ؟!

عرضت احدى القنوات تقريراً لمراسل غبي وهو ينعق بصوته مؤشراً باتجاه بناء مدرسة صغيرة في احدى المناطق النائية من مدينة العمارة وهو يقول: إن أهالي المنطقة يشكرون المسؤول الفلاني لأنه منحهم هذه المكرمة السخية التي ستعيد البسمة لأطفال المنطقة ويختتم المراسل تقريره بالقول:

إن المكرمات تتوالى واحدة بعد الأخرى في عراقنا الجديد ، فهنيئاً لنا بقادتنا وهنيئاً لدولتنا بشكر المواطنين على هذه المكرمة السخية!

في تقرير آخر ظهر على قناة أخرى يُناشد الناس الحكومة بأن تشملهم بمكرمتها بصرف مياه الفيضانات التي اجتاحت بيوتهم ، ويعلـِّق ابو علي من سكنة المنطقة فيقول : نحن نناشد المسؤولين بأن يشملونا برعايتهم لإنقاذ اطفالنا من هذا الوضع الصعب .

أما جمال خليل يقول : كنت أعيش في اوروبا وجئت الى العراق قبل سنة، كانت هناك لديَّ بطاقة ضمان صحية اذهب بها الى أي مستشفى او أي طبيب اختصاصي معروف وحتى إذا حصلت حالة في وقت متأخر فما ان تتصل حتى ينقلب بيتك الى هرج ومرج من سيارات الإسعاف او المطافىء لأنهم اذا ما تأخروا عليك تستطيع مقاضاتهم في اليوم التالي والقانون سيكون بصفك كائن مَن كنت، اما هنا فاُشاهد العجب واستغرب من البعض حينما يقول: نتمنى ان يشملنا المسؤول الفلاني بمكرمته وكأنَّ العراق ضيعة باسمه او اسم عشيرته! 

باختصار إن على المواطن العراقي أن ينتزع حقوقه انتزاعاً، وأن لا يقبل بأقل من رفع العبارات المهينة لكرامته والمؤذية لإنسانيته، وأن لا تُرفع الاوساخ ولا يتمّ التنظيف في العراق إلا بمكرمة! إن شوارع العراق تشكو من ثقل الأوحال والنفايات لاسيما في مواسم الامطار، وعلى الوزارات الخدمية القيام بواجبها من دون مكرمة من مسؤول أو منـَّة على المواطنين!

 

الدستور يكفل حـق المواطن ولكن !

حينما تقرأ دستور العراق الجديد وانت في بلد آخر يعيش في غطاء الحرية والديموقراطية والأمن فانك تفضِّل العودة الى العراق لأن فقرات الدستور تغنيك عن الغربة والحاجة والعمل الشاق حيث تقول المادة (30)

أولاً : تكفل الدولة للفرد وللأسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة  ـ الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياةٍ حرةٍ كريمة، تؤمِّن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم.

ثانياً : تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو اليتم أو البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم ، ويُنظـَّم ذلك بقانون .

المادة (31)

اولاً : لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية، وتعنى الدولة بالصحة العامة، وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية.

المادة (29):

أـ الأسرة أساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية.

ب ـ تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وترعى النشء والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.

حقوق وليست مكرمات

أية دولة بطبيعة الحال هي مسؤولة عن ضمان جميع حقوق مواطنيها كنائبة عنهم، ومن واجباتها توفير كل متطلباتهم الحياتية المادية والمعنوية، وتلتزم أن تكون شفافة في ذلك وتعامل الجميع بسواسية.

الإشكال يقع هنا عندما تقوم الدولة بتوفير خدمة ما لمواطنيها وتسوّقها على أنها مكرمة لهم، بدلاً من أن تكون حقاً لهم، ونسمع كثيراً من الأمثلة التي لا يمكن أن تصنفها مكرمة ، بل هي حق طبيعي للمواطنين.

فمثلاً ؛ إن نقل أحد المواطنين للعلاج على نفقة الدولة، أو تنفيذ مشروع خدمي في منطقة ما، أو تعديل رواتب موظفي قطاع معين، أو إقامة مستشفى، يعدّها كثيرون مكرمات مع أن كلها وغيرها في الواقع حقوق وليست مكرمات، لأنها تتعلق بالتزامات من قِبل الدولة للمواطنين وتُصرف عليها المبالغ المخصصة من الميزانية العامة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. ميثم عبد الرحمن

    المكرمة سلاح أخر من أسلحة الأباطرة والمسيطرين لأذلال المواطن, في حين المواطن هو من صنع المسيطر, يجب ان يكون التوجه هوة تثقيف الفرد العراقي أكثر وتعريفه بحقوقه وواجباته, فعند الوصل الى هكذا عقول عراقية سينتهي عصر فرعون في العراق والى الأبد

  2. نبيل الزبادي

    مقالة رائعة

  3. Adil Al-Zubaidy

    شكرا لقلمك ،كم هو رائع وواقعي.

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في درجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram