أظن أن كلمة "الواوي" ،أصلها من "ابن آوى"، لا يستعملها غير العراقيين أو أنها قلية التداول عند غيرهم من العرب. وقد أكثر العراقيون من ذكر الواوي في أمثالهم وحكاياتهم وهوساتهم خاصة في أيام ثورة العشرين.
كل الحكايات والهوسات عن "الواوي" بكفة، و "واوي" الشيخ كاصد بكفة أخرى. تقول حكاية أنه في أيام الاحتلال الانكليزي للعراق، وبالتحديد في العام 1918، طارد بعض الجنود ثعلباً جميلاً يميزه اللون الذهبي لنهايتي أذنيه والطوق الفضي الذي يحيط برقبته. حاصروه لكنه هرب منهم الى بستان الشيخ كاصد أحد شيوخ منطقة الفرات الأوسط. لم يتركوه بل دهموا البستان وأمسكوا به. طالبهم أحد الرعاة أن يطلقوا سراحه فأخبروه أنهم سيأخذونه الى لندن لفرط جماله. شانت حال "الواوي" على الراعي فهرع لمضيف الشيخ كاصد وعندما دخله رمى عقاله بالأرض إشارة الى أن كارثة قد حلت! صاح الشيخ ها ولك؟ هوّس الراعي:
واوينا يكاصد جيشهم كضة
تراچيه ذهب والطوك من فضة
چم صوجر بصوجر بالصدر عضة
ميسور اللنده يودونه؟
إنتفض الشيخ على الفور وطلب من رجاله أن يتسلحوا ويستعدوا للهجوم مع سواد الليل على مقر الجنود لفك أسر الثعلب. وفعلاً تم الهجوم الذي انتهى بإبادة الجنود عن بكرة أبيهم، لكن المهاجمين لم يجدوا الثعلب الذي يبدو أنه أُرسل مخفوراً الى مقر القيادة العسكرية مع أول قطار مرَّ من هناك. وصل الخبر إلى القائد الانكليزي فبعث على الفور في طلب الشيخ كاصد الذي رفض الحضور طالباً ممن يريد الحوار معه أن يأتيه الى مضيفه. دبَّر الانكليزي خطة وجاء بقطار توقف على السكة القريبة من قرية الشيخ الذي وافق على لقائه ما دام الحوار سيدور في منطقته. وعندما جلس الشيخ في العربة، أمر القائد أن يتحرك القطار ليأخذ الشيخ أسيراً، لكن مستشاره طلب منه أن ينظر حوله. فتح الشباك وإذا بأبناء العشيرة يحيطون بالقطار من كل الجهات وبنادقهم مصوبة نحوه. تراجع القائد العسكري واستبدل الأمر بأن عرض على الشيخ أن يدفع دية عن كل جندي قتل، قائلا: عليكم ان تدفعوا "dun"، التي تعني بالانكليزية الضغط أو الإلحاح على المديون ليدفع.. صاح الشيخ مخاطباً أبناء عشيرته: الانكليزي سوّاها "دَن". هوسوا جميعاً:
دَن ما ننطي ورد واوينا!
خاف القائد ومن معه على حياتهم وحرق قطارهم فطلب من الشيخ أن يعود لجماعته بعد أن وعده انه سيعيد لهم "الواوي" بأقرب فرصة، شريطة أن يكفيه شرهم. أمهله الشيخ سبعة أيام ليفعل، وإلاّ فهو غير مسؤول عما يحدث لجنوده بعدها. لم تمر سوى ثلاثة أيام وإذا بالانكليز يعيدون "الواوي". عاد فاستقبلته عشيرة الشيخ كاصد بالهلاهل والهوسات وإطلاق الرصاص بالهواء فرحاً بالانتصار.
أقول، هذا "الواوي" مجرد حيوان برّي وليس أليفاً لنقول أن الانكليز اعتدوا على أموال الناس. فما الذي سيفعله الشيخ كاصد لو أن الانكليز ألقوا القبض على سيد جليل ومفكر من أبناء عشيرته مثل أحمد القبانجي الذي أسّره الإيرانيون؟ ليت في مستشاري السيد المالكي من يروي له حكاية "واوي" الشيخ كاصد فلعله ينتفض. خوفي أن لا أعيش المتبقيات من سني عمري أغنّي كما غنيت مراراً:
يا طابخ الفاس ترجه من الحديده مرك.
جميع التعليقات 1
فاروق الشمري
يا سيدي كانت هنالك اخلاق وشيم وحرمات لا يمكن التجاوز عليها مهمه كات بسيطه...انهم بحق كانوا رجالا فمن اين للمالكي وامثاله مثل تلك الاخلاق والشيم. يا سيدي نحن الان بامس الحاجه لرجال دوله لديهم مشروع لتأسيس دوله...اماهؤلاء مامراء طوائف.. وتقبل تحياتي