أخذت فعاليات الاحتجاج على اعتقال السيد أحمد القبانجي والمطالبة بإطلاق سراحه تثير الكثير من ردود الأفعال المتباينة، وهذا أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي هو الربط بين أفكار الرجل وبين حقه بالحصول على دعم ومساندة المجتمع المدني! وكأن الاختلاف بالرأي أو تناول السائد من الأفكار بالتحليل والنقد، يُسقط المواطنة وكامل الحقوق المتعلقة بها.. لكن ما يفوت أكثر المعترضين إن كل من يختلق عذراً للاعتراض على دفاعنا عن القبانجي ومطالبتنا الافراج عنه، إنما يحرم نفسه من حقه في مثل هذا الدفاع، في حال وقع بفخ الاستبداد والقمع والظلم في يوم ما، لأن المستبد لا يمارس استبداده بدون أن يقدم أعذاراً، يعتقد بأنها قادرة على إقناع البسطاء.
الوعي الذي يُجَزِّئ الحقوق، وعي معاق مدنياً وحضارياً، أقصد أن الوعي الذي يعتقد بأن اختلاف المختلف فكريا وعقائدياً يوجب سلخه من حقوقه وامتيازاته، كمواطن، هو وعي لا ينسجم ومدنية المجتمعات الحديثة. خاصّة وأن أغلب الدول المتحضرة تحرص، حتى وهي تعاقب مجرميها، على عدم المساس بحقوقهم، التي لا يتنافى الحفاظ عليها مع العقوبة المنصوص عليها بالقانون. إذاً فحتى الجريمة لا تنسخ المواطنة، بل هي تُسْقِط بعض حقوقها التي تتعارض مع إجراءات إنزال العقوبة بالمجرم. هذا في المجتمعات التي حققت إنسانيتها أما في مجتمعاتنا فمجرد الخروج عن سياقات الجماعة يوجب النبذ والطرد والتشفي والشماتة. هذا إذا غضضنا النظر عن احتفاء مجتمعاتنا بالمجرمين والفاسدين ونبذها المفكرين والمثقفين، وبين ذاك الاحتفاء وهذا النبذ تكمن فضيحتنا.
تعتبر غالبية الدول أن الاعتداء على اي من مواطنيها يساوي الاعتداء عليها والمساس بسيادتها، ولذلك تحرص على التأكيد على هذا الموضوع في وثيقة السفر التي يحملها معه إينما ذهب، فترسل رسالة مفادها أن حرمة هذا المواطن من حرمة دولته. ونحن إذ نرفض أن يمر اعتقال رمز ثقافي عراقي في دولة أجنبية مرور الكرام إنما نرفض أن تنتهك سيادة العراق، وإذا كانت وثائق السيد القبانجي خالية من أي ضمانة "حكومية" لحقوقه، فإن لدى أحرار العراق ما يكفيه من الضمانات. وهي ضمانات لا تسعى للدفاع عن حرمته فقط إنما، وبالدرجة الأساس، تسعى للدفاع عن سيادة العراق بين الدول المجاورة، هذه السيادة التي ساوم عليها وضيعها بعض سياسيي الأزمة.