سنحت لي الفرصة أن أطّلع على بعض أعداد مجلة ( المثقف) العراقية الشهرية، التي صدرت بعد 14 تموز 1958 عن جمعية الخريجين في الجمهورية العراقية، واستمرت الى 8 شباط الاسود 1963 وهي مجلة مهمة جداً في مسيرة الثقافة العراقية، ووجدت في محتويات العدد الثامن وال
سنحت لي الفرصة أن أطّلع على بعض أعداد مجلة ( المثقف) العراقية الشهرية، التي صدرت بعد 14 تموز 1958 عن جمعية الخريجين في الجمهورية العراقية، واستمرت الى 8 شباط الاسود 1963
وهي مجلة مهمة جداً في مسيرة الثقافة العراقية، ووجدت في محتويات العدد الثامن والعشرين(السنة الخامسة، والصادر في تموز 1962) مسرحية كتبها الأستاذ عادل كاظم عنوانها –(المنتقم)، وتذكرت رأسا تشيخوف، إذ نه كتب قصة قصيرة في بواكير مسيرته الابداعية بهذا العنوان، ولم يخطر ببالي ارتباط ذلك بمسرحية عادل كاظم أبداً، وقد أسرعت – مع ذلك – الى الصفحة 61 من المجلة المذكورة لأطلع عليها، ووجدت فعلاً أن (المنتقم) هي – (مسرحية في فصل واحد أعدها عادل كاظم جواد عن قصة تشيخوف القصيرة بهذا العنوان )، وتذكرت أن هناك مسرحية أعدها الفنان العراقي الكبير بدري حسون فريد ونشرها في مجلة (الأقلام) العراقية عن قصة تشيخوف (الحرباء )، وهي محاولة رائعة لمسرحة تلك القصة التي تتناغم مع كل المجتمعات الانسانية ، حيث يسود النفاق الاجتماعي أمام السلطة، وتذكرت أيضاً المحاولات الرائعة الأخرى للفنانة الكبيرة عواطف نعيم ، التي قامت بمسرحة قصص تشيخوف، ولا مجال هنا للتوسع بالكلام عن كل ذلك، إذ أن تلك المحاولات تستحق كتابة مقالات خاصة بها في إطار دراسة موضوعة الأدب الروسي في العراق، لكني أود العودة الى مسرحية (المنتقم) للأستاذ عادل كاظم التي نشرها قبل أكثر من خمسين عاماً، والذي يُعدّ الآن العمل الرائد في هذا المضمار.
إن المسرحية هذه تدخل – بلا أدنى شك – ضمن موضوعة الأدب الروسي في العراق، ويمكن الاستشهاد بها وتقديمها كنموذج لتفاعل المثقف العراقي مع الأدب الروسي إبداعياً ، ويمكن أن نتفاخر بها أمام المتخصصين الروس، الذين يدرسون ويرصدون عملية انتشار الادب الروسي في العالم، ويؤسفني أن أقول ، أن هؤلاء لم ينتبهوا الى ما قام به المثقفون العراقيون من جهد كبير في هذا المجال. لقد اطلعت على العديد من المصادر الروسية حيال ذلك، ووجدت أن موقع العراق يكاد أن يكون معدوماً تقريباً، بل أني اطلعت على كتاب ضخم من القطع الكبير وبجزأين عن تشيخوف في آداب العالم صدر قبل عشر سنوات تقريباً ، ولم أجد فيه أية إشارة الى العراق، واطلعت أيضاً على كتاب صادر عام 2011 عنوانه – (تشيخوف . الانسكلوبيديا) ، والذي تم إصداره لمناسبة اختتام احتفالات روسيا بالذكرى الـ 150 سنة على ميلاد تشيخوف، وهو كتاب من القطع الكبير يقع في 696 صفحة، ولا توجد فيه أيضاً أية إشارة الى العراق (توجد إشارة بسيطة الى مصر واستشهاد بكلمة قالها الأديب المصري محمود تيمور ليس إلا حول تشيخوف) ، ولا يتحمل الجانب الروسي الذنب في ذلك فقط، بل يتحمل الجانب العراقي ايضا جزءاً من هذا الذنب، إذ أننا لا نأخذ بنظر الاعتبار هذا النشاط المهم في الحوار الثقافي والحضاري مع شعوب العالم بشكل عام، وليس مع روسيا وحدها، بل ولا نولي له أية أهمية مع الأسف. ولا يمكن الاستطراد اكثر بشأن ذلك في إطار هذه المقالة، ونعود الى صلب الموضوع ، أي الى الكاتب المسرحي العراقي المبدع عادل كاظم ومسرحيته – ( المنتقم ). تقع قصة تشيخوف في صفحتين تقريباً، أما مسرحية عادل كاظم فانها تشغل تسع صفحات كاملة من مجلة ( المثقف )، و المؤلف العراقي محق في إطالة المسرحية، لأنه يكتبها قبل كل شيء لغرض عرضها على خشبة المسرح، وليس فقط للقراءة، وقد أشار الكاتب المسرحي الى ذلك قائلا – (لقد حاولت أن أحافظ على أجواء تشيخوف، وان تكون شورا قريبة من شخوص تشيخوف، برغم أني غيرت المكان الذي جرت فيه القصة من محل لبيع الأسلحة الى غرفة استقبال في بيت السيد سيجاييف، وأضفت شخصية جديدة ليس لها وجود في قصة تشيخوف ، وهي شورا.)
من الواضح تماماً ، أن الأستاذ عادل كاظم كان معجباً بقصة تشيخوف هذه ، وإلا لما اختارها وحولها الى مسرحية، وهذا يعني انه قد فهم خصائص قصص تشيخوف، التي تعتمد على الحوار، وبالتالي فانه من السهل مسرحتها، وهذا شيء مهم جداً يجب الإشارة إليه والإشادة به،إذ أن الشاب العراقي عادل كاظم قد استوعب هذه الحقيقة الموضوعية حول أديب عالمي كبير مثل تشيخوف منذ 1962،أي قبل خمسين سنة، وحتى لو أنه قد تمرن عليها من أجل إبراز موهبته الإبداعية في هذا المجال لاحقا، ليس الا. هذا أولاً، أما ثانياً ،فإنه لم يكن موفقاً في اختيار تلك القصة، إذ أن مضمونها لا يتناغم ولا ينسجم بتاتاً مع الأخلاقيات السائدة في مجتمعاتنا الشرقية، بل أنه لا يتطابق أيضاً مع أخلاقيات المجتمع الروسي بشكل عام. ان مضمون هذه القصة في الواقع ليس سوى نكتة ابتدعها خيال الشاب تشيخوف لعرض نموذج تافه من تلك النماذج الإنسانية، التي سخر منها تشيخوف، وعرضها في الكثير من قصصه المبكرة الساخرة آنذاك، شخصيات لم تتبلور أبعادها الإنسانية ، ولا تمتلك إرادتها، ولا تعرف كيف تتصرف في مختلف المواقف الحرجة في الحياة، ولا رأي شخصي واضح لها. ان قيمة هذه القصة القصيرة لتشيخوف تكمن بالذات في تلك الصفات للبطل وليس في مضمونها بتاتاً، وقد استطاع المؤلف العراقي أن يعبّر عن ذلك فعلاً، إلا أن إطار المضمون بقي سائداً ، ومن المؤكد أن المشاهد العراقي لا يمكن أن يستوعب هذا المضمون بتاتاً، ولهذا السبب لم تعرض هذه المسرحية على خشبة المسارح العراقية حسب علمي المتواضع، ومع ذلك أود أن اطرح سؤالي أمام الأستاذ عادل كاظم وهو – (هل تم عرض هذه المسرحية في مسارح العراق ؟). إذاً سيكون الجواب سلبيا، فإن هذا يعني أن ملاحظتي صحيحة، أما إذا سيكون الجواب إيجابياً، فأرجو أن أعرف ردود الفعل تجاه هذه المسرحية، وفي كل الأحوال، أكرر وأؤكد، أن هذا العمل الابداعي الذي قدمه الاستاذ الكاتب المسرحي العراقي الشهير عادل كاظم قبل خمسين سنة يبين تفاعل المثقف العراقي مع الادب العالمي بشكل عام ، والأدب الروسي تحديدا، ويشير بلا أدنى شك الى ان الكاتب المسرحي الكبير عادل كاظم(الذي أسهم بإغناء حركة المسرح العراقي كثيراً) هو واحد من المثقفين والمبدعين العراقيين الكبار، والذي يمكن لنا- وبثقة- أن نقدمهم للعالم العربي والعالمي عموماً، ونتباهى بهم.