الرجال تبني، والرجال تهدم، والشعوب قطيع. للشعوب تأريخ طويل من الهتاف، الشعب الألماني كان هو نفسه أيام هتلر وهو نفسه أيام أديناور. واحد قاده إلى التبدد، وواحد دعاه للقيامة من البدد، وكان هو نفسه يوم وحده اوتوفون بسمارك، وهو نفسه يوم أعاد توحيده هلموت كول. الرجال وحدهم يقودون، الحكام يقودون الشعوب وليس العكس! الفرنسيون كانوا هم أنفسهم في الجمهورية الرابعة،-- حين كانت فرنسا تنتقل من فقر إلى فقر ومن حكومة إلى حكومة، ومن فرنك لا يساوي شيئا إلى فرنك لا يساوي أي شيء. كان الشعب نفسه وكانت الظروف نفسها حين جاءت الجمهورية الخامسة مع ديغول. إنتقلت فرنسا من دولة مدينة لمشروع مارشال إلى دولة صناعية.
ونستون تشرشل قاد البريطانيين للنصر، والملكة فكتوريا كانت عصرا لا يزال حاضراً بين العصور. هناك رجال يقودون الأمم نحو الآفاق، ورجال يقودونها إلى الهلاك والتفرقة والغرق في غياهب التفتت.الشعوب مغلوبة على أمرها، ملهية بالبحث عن الخبز والأمان.، ملهوفة تساق خلف بصيص ضوء!
مليون إنسان فروا بإتجاه واحد من راوندا نحو زائير، قتلوا في طريق الهرب، وقتلوا في طريق الهرب المعاكس،، وجميع القتلة على قيد الحياة.
سعيدة الطالع الشعوب التي يتأتى إليها قادة مستنيرون، الإمبراطوريات ليست سوى رجال أقاموها ورجال أحرقوها! الإمبراطورية الرومانية دمرت من روما، وليس من خارجها، والإمبراطورية العثمانية دمرت من الاستانة، والإمبراطورية الروسية دمرت من موسكو، وكذلك الإمبراطورية السوفياتية.
الرجل في البيت الأبيض، قد يكون مثل لنكولن أو ترومان، أو يكون مثل تيدي روزفلت الذي حين رأى أميركا تنزلق نحو مزالق الحزن والفقر لم يتردد في نقل نموذج دولة الضمان عن المانيا، فون بسمارك لم يوحد ألمانيا بالقوة، بل بالرفاه، ولو كانت المانيا الشرقية هي الإزدهار لكانت ألمانيا الغربية هي التي إنضمت إليها وليس العكس.
الشعوب تلحق الضوء طوعاً مثل قطيع، وتساق نحو الظلمات سوقاً مثل قطيع. الجموع مأخوذة بهموم اليوميات، تاركة للقادة والنخب هموم الغد والمستقبل وصناعة التأريخ، الشعوب تصنع الخبز والقادة يصنعون التأريخ، رجل يبني ورجل يبدد، رجل حر ورجل غير حر، رجل يملك الرؤية، ورجل فاقدها.
لقب بابيراك نفسه بلقب (كرمال) أي معين العمال، لإعتقاده إنه سينقذ فقراء أفغانستان، لكنه فتح الباب أمام إفقار أغنيائها وفقرائها معا، وحين توفي في أحد مستشفيات موسكو مريضاً ومحزوناً وذائقاً طعم الندم، لم يكن الباب الذي الذي فتحه قد أغلق بعد!!
***
ذاك القطاف أعلاه، مستعار من عمود منشور في جريدة الشرق الأوسط عمره ما يقرب من الربع قرن للصحفي البارع سمير عطا الله، وكأنه كتب البارحة.. وما اشبه الليلة بالبارحة؟؟