ظلّت الناس تتساءل لماذا يسافر رئيس الوزراء في مثل هذا التوقيت من كل عام إلى البصرة؟ حيث يخرج على العراقيين متجهما متحدثا بعصبية وخشونة، البعض يقول ربما المالكي اختار هذا التوقيت بعناية ليوصل أكثر من رسالة وإشارة بأن المعركة السياسية القادمة ستدار بالطريقة التي يريدها هو، هذا على مستوى الشكل أما على مستوى المضمون فأن أغرب ما جاء في حديث المالكي هو تلك العبارة التي قال فيها "كنَّا نأمل بأننا سنقفز قفزة كبيرة لكن هذه المناكفات السياسية وهذا الضجيج الإعلامي وهذه الصورة البائسة عطلت العمل والإعمار وعودة الثقة الكاملة في العراق".
ولو وضعنا هذه العبارة بجوار ما يصرح به مجموعة المقربين من رئيس الوزراء، سندرك أننا بصدد لعبة خطيرة تقوم على خلط الأوراق، وعدم الاجابة على سؤال مهم.. لماذا سعيتم الى حكم البلاد، وانتم بكل هذا الفشل؟ ولماذا يصور لكم خيالكم ان هذا الشعب يمكن ان يعود الى ايام "بالروح بالدم".
الجميع بمن فيهم المالكي شركاء في هندسة الخراب الذي يعاني منه العراقيين، والمالكي يتحمل الوزر الأكبر حين اصر على ان يكون المسيطر والمهيمن بحجة ان البلاد تحتاج الى سياسي قوي، فتحولت السياسة الى حلبة يتبارى الجميع فيها لاستعراض قوتهم، وهذا المفهوم أخذ يرتبط بالسلطة حين يرى البعض انه مادام في السلطة فان الأمور ستكون بخير، وأننا حتما سائرون إلى الأمام وسنقطف ثمار النصر في القريب العاجل.. ولهذا وجدنا المالكي يذهب إلى البصرة ليرفع سبابته في وجوه الجميع محذرا من أن هذه البلاد لن تحكم إلا بالطريقة التي يرى هو وحده إنها الصحيحة، واعتبار أن العراق هو رئاسة الوزراء ولاشيء خارجه.. وانتصار المالكي في معركته مع أهالي الأنبار، هو انتصار للعراق الذي في مخيلة المالكي ومقربيه.
هذا تقريبا ما يدور في عقلية رئيس الوزراء الذي نسى او تناسى ان آلافا من اهالي البصرة يعيشون تحت خط الفقر.. وان هذه المدينة الغنية بثرواتها تدار من قبل مقربيه وفق قانون النفاق والمحسوبية والانتهازية، وان الناس في الأحياء الفقيرة بحاجة إلى الخدمات والصحة والتعليم والاهم العدالة الاجتماعية، أكثر من حاجتهم إلى خطب وشعارات تريد ان ترسخ في أذهانهم أنهم يعيشون وسط أعداء يتربصون بهم سواء في الأنبار أو الموصل.. دون أن يخبر المالكي الناس بأنهم عاشوا معه سبع سنوات في ظل دولة لم تحدد أهدافها بعد، وفي ظل حكومة تسن القوانين ثم لا تلتزم بها مرة بسبب الفساد ومرات كثيرة بسبب تعارضها مع مصالح المسؤولين الكبار..إن ترويج نظرية "إننا الأفضل" و"معنا تعيشون في نعيم" و"أن الإنجازات كثيرة"، "وايهام البسطاء بان لا مشكلة في الخدمات وانما المسألة كلها مسألة وقت، فقط نتخلص من متظاهري الموصل والانبار بعدها ستأتي النهضة، ومعها خطط الإعمار التي استوت على النار.
حديث المالكي في البصرة يأخذنا الى دهاليز مظلمة، وما دمنا نتحدث عن المواطنة فهذا يعني مساواة وعدالة أمام قانون لا يعرف خانة المذهب او الطائفة او الديانة، لا فضل لعراقي على عراقي إلا بصدق الانتماء والرغبة في النهوض بهذا البلد، ومن باب التكرار فان مفخخات الإرهاب وأحزمته الناسفة لم تسأل عن الفرق بين مواطن من الأنبار وآخر من الناصرية، ولم تعرف الفرق بين قطرة الدم التي سالت من الموصل وتلك التي نزفت في البصرة، هذا هو العراق، لا يمكن تصور وجوده بدون هذه الخلطة الجميلة بين أبناء شعبه، وأي محاولة للعبث بها تعني أننا مهددون بكارثة، وأي حديث عن تهميش مكون لصالح آخر يحمل خطر انفجار لا تحمد عقباه.
أفهم ان يحاول المالكي الترويج لقائمته الانتخابية، ولكن الذي لا افهمه ان يتجه الى البصرة تاركا وراء ظهره مواطنين عراقيين في أماكن أخرى، كان يمكن له ان يمد يده اليهم ويستمع الى مطالبهم.
على المالكي ان يدرك ان اقصاء الاخرين وتخوينهم أمر خطير، وعليه ان يجلس مع اهالي الانبار وينصت الى مطالبهم، ليست فقط تلك المتعلقة بالتهميش، لأنه يفترض يكون مؤمنا في اتخاذ خطوات من شأنها إحداث الحد الأدنى من التوافق السياسى بين جميع العراقيين.
هناك أكثر من طريق يمكن أن يلجأ لها رئيس الوزراء، أبسطها هو رفض الاخر والسخرية من مطالبه.. لكن المسؤول المدرك لقيمة الوطن والحريص على وحدته ونسيجه الاجتماعي، هو الذي يتنبأ بالخطر قبل وقوعه ويسعى إلى تفاديه، والسؤال: هل لدينا مثل هذه النوعية من المسؤولين الان؟ اعتقد ان الاجابة معروفة بعد الخطبة النارية التي القاها المالكي في البصرة.
المالكي لماذا في البصرة وليس في الأنبار؟
[post-views]
نشر في: 24 فبراير, 2013: 08:00 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 9
Souad
علي حسين انك كاتب ومثقف عظيم قي هذه الايام الصعبه, صوتك مهم جدا في ظل هذه الزحمه من الابواق الطائفيه المدافعه عن حكومه المالكي. هل تعلم حينما اقرا لك مقاله ,اشعر حينها بان العراق ما زال فيه خيرا وان هذا الظلام الذي يسود العراق الان لا بد ان يري النور . اح
AZ
Thank you so much for this (and other) views you are writing. God bless you.
العراقي
باختصار يااستاذي : عندما يخلع اهل الانبار ثوب الطائفيه الذي فصلته والبسته لهم القاعده ويملكون قليلا من ثقافة الحوار وتقبل الاخر التي يمتلكها اهل البصره فكن متاكدا ان المالكي الذي نعرفه سوف يكون هناك
جمال الطالبي
عزيزي كاتب هذا المقال أنا لست في معرض الدفاع عن المالكي، ولكن أقول لو زار الأنبار نبي شيعي ، ولو حكم العراق إله شيعي ، فسيبقى الوضع كما هو. القضية يعرف كل إنسان عاقل في العراق وهي بإختصار: إما حاكم سني،وإن كان سفاحاً مثل صدام، أو يذهب العراق وشعبه إلى الج
جمال الطالبي
عزيزي كاتب المقال أتحداك أن تقول كلمة واحدة عن البرزاني أو أن تقول أن للكرد يد طولى في خراب البلاد ، لأنك تعرف سواء كنت عربي أو كرد، أنه ليس هناك مكان في هذا المعمورة يحميك أو يحمي ذويك ، لتعرف أن المالكي ليس ديكتاتورياً وأنك حر في ما تقول عنه !!!!!!!!!!!
ابو حسن البصري
عزيزي الكاتب ان البلد يعيش صراعا سياسيا وطائفيا وعرقيا وهو ليس وليد اللحظة ويبقى الجنوب دائما وكماهو الغرب يمثل لونا وطائفة مختلفة فكما يلجا سياسيوا الغرب لاهليهم يلجا سياسيونا الينا.المواطنة هي استخدام خطاب معتدل وليس قاعديا بامتياز وهل نارية خطبته اقسى
حمزة
يبدو أن كاتب المقال متأكد أن لدى المتظاهرين مطالب قابلة للتحقيق، لذا سأنتظر مقالته القادمة ليقول لنا ما هي مطالب المتظاهرين وكيفية حلها
جمال طالب
عمي مو قبل كم ساعة كتبنا تعليق وينه ؟ والله إنتم كلاوجيه وبنفس الوقت أكراد!
Ali
اعتقد ان هناك سببا مهما في زيارة المالكي للبصرة بهذا التوقيت ، فهو ينم عن اختيار دقيق ، فانتخابات مجالس المحافظات على الأبواب ، وستبدأ الدعاية الانتخابية في ١/ ٣ ، ومثلما تعرفون قيمة البصرة للاحزاب السياسية ولحزب الدعوة بشكل خاص ، فهي تدر ذهبا يساهم في تق